للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ زَوَّجْتُك، أَوْ بِعْتُك، فَأَنْتَ حُرٌّ. فَزَوَّجَهُ تَزْوِيجًا فَاسِدًا، لَمْ يَعْتِقْ، وَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا يُمْلَكُ بِهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ عِنْدَهُ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ، إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ. وَلَنَا، أَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّحِيحِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ - تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] . وَأَكْثَرُ أَلْفَاظِهِ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الصَّحِيحِ، فَلَا يَحْنَثُ بِمَا دُونَهُ، كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَكَالصَّلَاةِ، وَغَيْرِهِمَا، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهِ لَا نُسَلِّمُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَحْنَثُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ.

وَهَلْ يَحْنَثُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ نَكَحَهَا نِكَاحًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ، أَوْ بَاعَ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إنْ تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، أَوْ مَلَكَ مِلْكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، حَنِثَ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَلَنَا، أَنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ، وَبَيْعٌ فَاسِدٌ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِمَا، كَالْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِمَا.

(٨٠٠٣) فَصْلٌ: وَالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ سَوَاءٌ فِي هَذَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إذَا حَلَفَ مَا صَلَّيْت وَلَا تَزَوَّجْت، وَلَا بِعْت، وَكَانَ قَدْ فَعَلَهُ فَاسِدًا، حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ لَا يُقْصَدُ مِنْهُ إلَّا الِاسْمُ، وَالِاسْمُ يَتَنَاوَلُهُ، وَالْمُسْتَقْبَلُ بِخِلَافِهِ، فَإِنَّهُ يُرَادُ بِالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ الْمِلْكُ، وَبِالصَّلَاةِ الْقُرْبَةُ. وَلَنَا، أَنَّ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لَا يَتَنَاوَلُهُ فِي الْمَاضِي، كَالْإِيجَابِ، وَكَغَيْرِ الْمُسَمَّى وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُهُ إلَّا الشَّرْعِيُّ، وَلَا يَحْصُلُ.

[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بَيْعًا فِيهِ الْخِيَارُ]

(٨٠٠٤) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فِيهِ الْخِيَارُ، حَنِثَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ. وَلَنَا، أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ، فَيَحْنَثُ بِهِ، كَالْبَيْعِ اللَّازِمِ، وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ سَبَبٌ لَهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ

[فَصْل حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يُزَوِّجُ فَأَوْجَبَ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُتَزَوِّجُ وَالْمُشْتَرِي]

فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ، أَوْ لَا يُزَوِّجُ، فَأَوْجَبَ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ، وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُتَزَوِّجُ وَالْمُشْتَرِي، لَمْ يَحْنَثْ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ عَقْدَانِ لَا يَتِمَّانِ إلَّا بِالْقَبُولِ فَلَمْ يَقَعْ الِاسْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>