وَمَا يَشْرَبُ مِنْ زِيَادَةِ الْفُرَاتِ وَأَشْبَاهِهِ، وَأَرْضِ الْبَصْرَةِ الشَّارِبَةِ مِنْ الْمَدِّ وَالْجَزْرِ، وَأَرْضِ دِمَشْقَ الشَّارِبَةِ مِنْ زِيَادَةِ بَرَدَى
أَوْ مَا يَشْرَبُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ، فَهَذِهِ تَصِحُّ إجَارَتُهَا قَبْلَ وُجُودِ الْمَاءِ الَّذِي تُسْقَى بِهِ وَبَعْدَهُ. وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُهُ: إنْ أَكْرَاهَا بَعْدَ الزِّيَادَةِ، صَحَّ، وَلَا يَصِحُّ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ، لَا نَعْلَمُ هَلْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا أَمْ لَا. وَلَنَا أَنَّ هَذَا مُعْتَادٌ، الظَّاهِرُ وُجُودُهُ، فَجَازَتْ إجَارَةُ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ بِهِ، كَالشَّارِبَةِ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ، وَلِأَنَّ ظَنَّ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي وَقْتِهِ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، كَالسَّلَمِ فِي الْفَاكِهَةِ إلَى أَوَانِهَا.
النَّوْعُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ مَجِيءُ الْمَاءِ نَادِرًا، أَوْ غَيْرَ ظَاهِرٍ كَالْأَرْضِ الَّتِي لَا يَكْفِيهَا إلَّا الْمَطَرُ الشَّدِيدُ الْكَثِيرُ، الَّذِي يَنْدُرُ وُجُودُهُ. أَوْ يَكُونُ شُرْبُهَا مِنْ فَيْضِ وَادٍ مَجِيئُهُ نَادِرٌ، أَوْ مِنْ زِيَادَةٍ نَادِرَةٍ فِي نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ غَالِبَةٍ، فَهَذِهِ إنْ أَجَرَهَا بَعْدَ وُجُودِ مَاءٍ يَسْقِيَهَا بِهِ، صَحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَزَرْعُهَا، فَجَازَتْ إجَارَتُهَا، كَذَاتِ الْمَاءِ الدَّائِمِ. وَإِنْ أَجَرَهَا قَبْلَهُ لِلْغَرْسِ أَوْ الزَّرْعِ، لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الزَّرْعُ غَالِبًا، وَيَتَعَذَّرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ، فَلَمْ تَصِحّ إجَارَتُهَا، كَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ. وَإِنْ اكْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا، جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِالنُّزُولِ فِيهَا، وَوَضْعِ رَحْلِهِ، وَجَمْعِ الْحَطَبِ فِيهَا، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا رَجَاءَ الْمَاءِ
وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَاءٌ قَبْلَ زَرْعِهَا، فَلَهُ زَرْعُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمُمْكِنِ اسْتِيفَاؤُهَا. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ، وَلَا يَغْرِسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِلتَّأْبِيدِ. وَتَقْدِيرُ الْإِجَارَةِ بِمُدَّةٍ تَقْتَضِي تَفْرِيغَهَا عِنْدَ انْقِضَائِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ صَحَّ مَعَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ. قُلْنَا: التَّصْرِيحُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ صَرَفَ التَّقْدِيرَ عَنْ مُقْتَضَاهُ، بِظَاهِرِهِ فِي التَّفْرِيغِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ قَلْعَ ذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَيُصْرَفُ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ عَمَّا يُرَادُ لَهُ بِظَاهِرِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا
وَإِنْ أَطْلَقَ إجَارَةَ هَذِهِ الْأَرْضِ، مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهَا، وَعَدَمِ مَائِهَا، صَحَّ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَاهُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَمَ مَائِهَا، أَوْ ظَنَّ الْمُكْتَرِي أَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَاءٍ لَهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ لَهَا يُحَصِّلُ لَهَا مَاءً، وَأَنَّهُ يَكْتَرِيهَا لِلزِّرَاعَةِ مَعَ تَعَذُّرِهَا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ عَلِمَ حَالَهَا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ كِرَاءِ الْأَرْضِ يَقْتَضِي الزِّرَاعَةَ. وَالْأَوْلَى صِحَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْحَالِ يَقُومُ مَقَامَ الِاشْتِرَاطِ، كَالْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَقُومُ مَقَامَ شَرْطِهِ، وَمَتَى كَانَ لَهَا مَاءٌ غَيْرُ دَائِمٍ أَوْ الظَّاهِرُ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ الزَّرْعِ، أَوْ لَا يَكْفِي الزَّرْعَ، فَهِيَ كَاَلَّتِي لَا مَاءَ لَهَا، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا كُلِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ اكْتَرَى أَرْضًا غَارِقَةً بِالْمَاءِ]
(٤٢٢٧) فَصْلٌ: وَإِنْ اكْتَرَى أَرْضًا غَارِقَةً بِالْمَاءِ، لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا قَبْلَ انْحِسَارِهِ عَنْهَا، وَقَدْ يَنْحَسِرُ وَلَا يَنْحَسِرُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute