يُدْلِي؟ " قُلْنَ: لَا. قَالَ: «فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لَهُنَّ بِحَالٍ وَكَيْفَ يُشْرَعُ لَهُنَّ وَقَدْ نَهَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ؟ وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَفُعِلَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خُلَفَائِهِ، وَلَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، وَلِأَنَّ الْجِنَازَةَ يَحْضُرُهَا جُمُوعُ الرِّجَالِ، وَفِي نُزُولِ النِّسَاءِ فِي الْقَبْرِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ هَتْكٌ لَهُنَّ، مَعَ عَجْزِهِنَّ عَنْ الدَّفْنِ، وَضَعْفِهِنَّ عَنْ حَمْلِ الْمَيِّتَةِ وَتَقْلِيبِهَا، فَلَا يُشْرَعُ. لَكِنْ إنْ عُدِمَ مَحْرَمُهَا، اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِلْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّهُمْ أَقَلُّ شَهْوَةً وَأَبْعَدُ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ فُضَلَاءِ النَّاسِ وَأَهْلِ الدِّينِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ، فَنَزَلَ فِي قَبْرِ ابْنَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ أَوْلَى النَّاسِ بِدَفْنِ الرَّجُلِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ]
(١٥٨٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا الرَّجُلُ فَأَوْلَى النَّاسِ بِدَفْنِهِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ طَلَبُ الْحَظِّ لِلْمَيِّتِ وَالرِّفْقُ بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا يَلِي الرَّجُلَ أَهْلُهُ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَدَهُ الْعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ وَأُسَامَةُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَا تَوْقِيفَ فِي عَدَدِ مَنْ يَدْخُلُ الْقَبْرَ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَدَدُهُمْ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمَيِّتِ وَحَاجَتِهِ وَمَا هُوَ أَسْهَلُ فِي أَمْرِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَدَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ اتِّفَاقًا أَوْ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي مَرْحَبٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ نَزَلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِمْ أَرْبَعَةً. وَإِذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي فَقِيهًا كَانَ حَسَنًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يَصْنَعُهُ فِي الْقَبْرِ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يُشَقُّ الْكَفَنُ فِي الْقَبْرِ وَتُحَلُّ الْعُقَدُ]
(١٥٨٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَلَا يُشَقُّ الْكَفَنُ فِي الْقَبْرِ، وَتُحَلُّ الْعُقَدُ.) أَمَّا شَقُّ الْكَفَنِ فَغَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَتَخْرِيقُهُ يُتْلِفُهُ، وَيَذْهَبُ بِحُسْنِهِ. وَأَمَّا حَلُّ الْعُقَدِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، فَمُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا كَانَ لِلْخَوْفِ مِنْ انْتِشَارِهَا، وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ بِدَفْنِهِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَدْخَلَ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيَّ الْقَبْرَ نَزَعَ الْأَخِلَّةَ بِفِيهِ.» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُ ذَلِكَ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يُدْخِلُ الْقَبْرَ آجُرًّا وَلَا خَشَبًا وَلَا شَيْئًا مَسَّتْهُ النَّارُ]
(١٥٨٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: " وَلَا يُدْخِلُ الْقَبْرَ آجُرًّا، وَلَا خَشَبًا، وَلَا شَيْئًا مَسَّتْهُ النَّارُ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute