وَدُورًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَقَالُوا لَبَعْضِهِمْ: نُخْرِجُك مِنْ الْمِيرَاثِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. أَكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَى مِنْهَا شَيْءٌ، وَهِيَ لَا تَعْلَمُ لَعَلَّهَا تَظُنُّ أَنَّهُ قَلِيلٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَثِيرٌ وَلَا يَشْتَرِي حَتَّى تَعْرِفَهُ وَتَعْلَمَ مَا هُوَ، وَإِنَّمَا يُصَالِحُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَعْرِفُهُ، وَلَا يَدْرِي مَا هُوَ حِسَابُ بَيْنَهُمَا، فَيُصَالِحُهُ، أَوْ يَكُونُ رَجُلٌ يَعْلَمُ مَالَهُ عَلَى رَجُلٍ، وَالْآخَرُ لَا يَعْلَمُهُ فَيُصَالِحُهُ، فَأَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَمْ يُصَالِحْهُ إنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَهْضِمَ حَقَّهُ وَيَذْهَبَ بِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا جَازَ مَعَ الْجَهَالَةِ، لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ لِإِبْرَاءِ الذِّمَمِ، وَإِزَالَةِ الْخِصَامِ، فَمَعَ إمْكَانِ الْعِلْمِ لَا حَاجَةَ إلَى الصُّلْحِ مَعَ الْجَهَالَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ.
[فَصْلٌ الصُّلْح عَنْ كُلِّ مَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ]
(٣٥٠٧) فَصْل: وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ كُلِّ مَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَوْ لَا يَجُوزُ، فَيَصِحُّ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَسُكْنَى الدَّارِ، وَعَيْبِ الْمَبِيعِ. وَمَتَى صَالَحَ عَمَّا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ أَوْ أَقَلَّ، جَازَ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَسَعِيدَ بْنِ الْعَاصِ بَذَلُوا لِلَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ سَبْعَ دِيَاتٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا. وَلِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَلَا يَقَعُ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتَهُ.
فَأَمَّا إنْ صَالَحَ عَنْ قَتْلِ الْخَطَأِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا، لَمْ يَجُزْ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ عَبْدًا أَوْ شَيْئًا غَيْرَهُ، فَصَالَحَ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا، لَمْ يَجُزْ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضًا عَنْ الْمُتْلَفِ، فَجَازَ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِذَلِكَ. وَلَنَا، أَنَّ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ مُقَدَّرَةً، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا، كَالثَّابِتَةِ عَنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَقَّهُ وَزِيَادَةً لَا مُقَابِلَ لَهَا، فَيَكُونُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. فَأَمَّا إنْ صَالَحَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا، بِأَكْثَرَ قِيمَةً مِنْهَا، جَازَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ.
[فَصْلٌ صَالِح عَنْ الْمِائَة الثَّابِتَة فِي الذِّمَّةِ بِالْإِتْلَافِ]
(٣٥٠٨) فَصْلٌ: وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْمِائَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ بِالْإِتْلَافِ، بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، لَمْ يَجُزْ، وَكَانَتْ حَالَّةً. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَعَنْ أَحْمَدَ يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ الْمُتْلِفِ بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فَجَازَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ وَهُوَ مِائَةٌ حَالَّةٌ، الْحَالُّ لَا يَتَأَجَّلُ بِالتَّأْجِيلِ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنِ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ غَيْرُ جَائِزٍ.
[فَصْلٌ صَالِح عَنْ الْقِصَاصِ بِعَبْدِ فَخَرَجَ مُسْتَحَقًّا]
(٣٥٠٩) فَصْلٌ: وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ بِعَبْدٍ، فَخَرَجَ مُسْتَحَقًّا، رَجَعَ بِقِيمَتِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَإِنْ خَرَجَ حُرًّا فَكَذَلِكَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَرْجِعُ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فَاسِدٌ، فَيَرْجِعُ بِبَذْلِ مَا صَالَحَ عَنْهُ، وَهُوَ الدِّيَةُ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ مَا جَعَلَهُ عِوَضًا، فَرَجَعَ فِي قِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute