للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، كَالشَّهِيدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ نَجِسَ بِالْمَوْتِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغَسْلِ؛ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَنْجُسُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْآدَمِيَّةِ، وَفِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْجُسَ الْكَافِرُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْمُسْلِمِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْكَافِرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ.

(٤٧) فَصْلٌ: وَحُكْمُ أَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ وَأَبْعَاضِهِ حُكْمُ جُمْلَتِهِ، سَوَاءٌ انْفَصَلَتْ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ مِنْ جُمْلَةٍ. فَكَانَ حُكْمُهَا كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ؛ وَلِأَنَّهَا يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَكَانَتْ طَاهِرَةً كَجُمْلَتِهِ. وَذِكْرُ الْقَاضِي أَنَّهَا نَجِسَةٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا. وَلَا يَصِحُّ هَذَا؛ فَإِنَّ لَهَا حُرْمَةً، بِدَلِيلِ أَنَّ كَسْرَ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ، وَيُصَلَّى عَلَيْهَا إذَا وُجِدَتْ مِنْ الْمَيِّتِ، ثُمَّ تَبْطُلُ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ طَاهِرٌ.

(٤٨) فَصْلٌ وَفِي الْوَزَغِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً، أَشْبَهَ الْعَقْرَبَ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِ فَالْمَاءُ يَبْقَى عَلَى أَصْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَنْجُسُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ. إنْ مَاتَتْ الْوَزَغَةُ أَوْ الْفَأْرَةُ فِي الْجُبِّ يُصَبُّ مَا فِيهِ، وَاذَا مَاتَتْ فِي بِئْرٍ فَانْزَحْهَا حَتَّى تَغْلِبَك.

(٤٩) فَصْلٌ: وَإِذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ حَيَوَانٌ لَا يُعْلَمُ، هَلْ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا؟ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ، وَالنَّجَاسَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا، فَلَا نُزُولَ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ شَرِبَ مِنْهُ حَيَوَانٌ يُشَكُّ فِي نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ وَطَهَارَتِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.

[مَسْأَلَةٌ لَا يُتَوَضَّأُ بِسُؤْرِ كُلِّ بَهِيمَةٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إلَّا السِّنَّوْرَ]

(٥٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَلَا يُتَوَضَّأُ بِسُؤْرِ كُلِّ بَهِيمَةٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، إلَّا السِّنَّوْرَ وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ) . السُّؤْرُ فَضْلَةُ الشُّرْبِ. وَالْحَيَوَانُ قِسْمَانِ: نَجِسٌ وَطَاهِرٌ. فَالنَّجِسُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مَا هُوَ نَجِسٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الْكَلْبُ، وَالْخِنْزِيرُ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَهَذَا نَجِسٌ، عَيْنُهُ، وَسُؤْرُهُ، وَجَمِيعُ مَا خَرَجَ مِنْهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُرْوَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السُّؤْرِ خَاصَّةً. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَدَاوُد: سُؤْرُهُمَا طَاهِرٌ، يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُشْرَبُ، وَإِنْ وَلَغَا فِي طَعَامٍ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يَتَوَضَّأُ بِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>