بِالْجِرَاحَةِ، أَوْ بِالْمَاءِ، فَالْمَاءُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْحَيَوَانُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْحَظْرِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ مُوجِبَةً، فَيَكُونُ الْحَيَوَانُ أَيْضًا مُبَاحًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ بِالْجِرَاحِ وَالْمَاءُ طَاهِرٌ، إلَّا أَنْ يَقَعَ فِيهِ دَمٌ.
(٤٦) فَصْلٌ: الْحَيَوَانُ ضَرْبَانِ: مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَهُوَ نَوْعَانِ: مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ، فَهُوَ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. الثَّانِي، مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ النَّجَاسَاتِ، كَدُودِ الْحُشِّ وَصَرَاصِرِهِ، فَهُوَ نَجِسٌ حَيًّا وَمَيِّتًا؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ النَّجَاسَةِ فَكَانَ نَجِسًا، كَوَلَدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: صَرَاصِرُ الْكَنِيفِ وَالْبَالُوعَةِ، إذَا وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ الْحَبِّ، صُبَّ وَصَرَاصِرُ الْبِئْرِ لَيْسَتْ بِقَذِرَةٍ، وَلَا تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ. الضَّرْبُ الثَّانِي مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا مَا تُبَاحُ مَيْتَتُهُ، وَهُوَ السَّمَكُ وَسَائِرُ حَيَوَانِ الْبَحْرِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ، فَهُوَ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ أَكْلُهُ، وَإِنْ غَيَّرَ الْمَاءَ لَمْ يَمْنَعْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
النَّوْعُ الثَّانِي مَا لَا تُبَاحُ مَيْتَتُهُ غَيْرَ الْآدَمِيِّ؛ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ الْمَأْكُولِ، وَغَيْرِهِ، كَحَيَوَانِ الْبَحْرِ الَّذِي يَعِيشُ فِي الْبَرِّ، كَالضِّفْدَعِ، وَالتِّمْسَاحِ، وَشَبَهِهِمَا، فَكُلُّ ذَلِكَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَيُنَجِّسُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إذَا مَاتَ فِيهِ، وَالْكَثِيرَ إذَا غَيَّرَهُ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، فِي الضِّفْدَعِ: إذَا مَاتَتْ فِي الْمَاءِ لَا تُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّهَا تَعِيشُ فِي الْمَاءِ أَشْبَهَتْ السَّمَكَ. وَلَنَا أَنَّهَا تُنَجِّسُ غَيْرَ الْمَاءِ، فَتُنَجِّسُ الْمَاءَ، كَحَيَوَانِ الْبَرِّ؛ وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، لَا تُبَاحُ مَيْتَتُهُ فَأَشْبَهَ طَيْرَ الْمَاءِ، وَيُفَارِقُ السَّمَكُ؛ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ، وَلَا يُنَجِّسُ غَيْرَ الْمَاءِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ، الْآدَمِيُّ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بِئْرٍ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ، فَمَاتَ؟ قَالَ: يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: يَنْجُسُ وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، فَنَجُسَ بِالْمَوْتِ، كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ. كَالرِّوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا؛ لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ، فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute