لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْجُحُودِ عَنْ الْأَمَانَةِ، فَصَارَ ضَامِنًا كَمَنْ طُولِبَ الْوَدِيعَةِ فَامْتَنَعَ مِنْ رَدِّهَا. وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِتَلَفِهَا بَعْدَ الْجُحُودِ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ لِذَلِكَ. وَإِنْ شَهِدَتْ بِتَلَفِهَا قَبْلَ الْجُحُودِ مِنْ الْحِرْزِ.
فَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؟ فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهَا بِإِنْكَارِهِ الْإِيدَاعَ. وَالثَّانِي، تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَوْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ سَقَطَ حَقُّهُ، فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بِهِ، فَإِنْ شَهِدَتْ بِالتَّلَفِ مِنْ الْحِرْزِ، وَلَمْ تُعَيَّنْ قَبْلَ الْجُحُودِ وَلَا بَعْدَهُ، وَاحْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ، لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهُ، فَلَا يَنْتَفِي بِأَمْرِ مُتَرَدِّدٍ. وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْوَدِيعَةَ، فَقَالَ: مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَالَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْإِيدَاعِ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُودَعُ، ثُمَّ قَالَ: ضَاعَتْ مِنْ حِرْزٍ. كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُنَافِي مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ
وَلَا يُكَذِّبُهَا، فَإِنَّ مَنْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ حِرْزِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ فَلَا شَيْءَ لِمَالِكِهَا عِنْدَهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا، لَكِنْ إنْ ادَّعَى تَلَفَهَا بَعْدَ جُحُودِهِ، أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهَا بَعْدَ الْجُحُودِ، أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ حَالَ جُحُودِهِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّ جُحُودَهُ أَوْجَبَ الضَّمَانَ عَلَيْهِ، فَصَارَ كَالْغَاصِبِ.
[فَصْلٌ نَوَى الْخِيَانَةَ فِي الْوَدِيعَة بِالْجُحُودِ أَوْ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يَفْعَلْ]
(٥٠٦١) فَصْلٌ: إذَا نَوَى الْخِيَانَةَ فِي الْوَدِيعَةِ، بِالْجُحُودِ أَوْ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَمْ يَفْعَلْ، لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِي الْوَدِيعَةِ قَوْلًا وَلَا فِعْلًا، فَلَا يَضْمَنُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ. وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ: يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهَا بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ، فَيَضْمَنُهَا، كَالْمُلْتَقِطِ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُفِيَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ، أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» . وَلِأَنَّهُ لَمْ يَخُنْ فِيهَا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَاَلَّذِي لَمْ يَنْوِ، وَفَارَقَ الْمُلْتَقِطَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute