أَوَّلُ الصَّوْمِ نَفْلًا وَبَاقِيه فَرْضًا، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ يَوْمٍ تَطَوُّعًا، ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ أَرْكَانِهَا، فَلَزِمَتْهُ إعَادَتُهَا، كَالصَّلَاةِ، وَالْحَجِّ إذَا بَلَغَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِبُلُوغِهِ يَلْزَمُهُ صَوْمُ جَمِيعِهِ، وَالْمَاضِي قَبْلَ بُلُوغِهِ نَفْلٌ، فَلَمْ يَجْزِ عَنْ الْفَرْضِ، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ وَالنَّاذِرُ صَائِمٌ؛ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، فَأَمَّا مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ بُلُوغِهِ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ صَامَهُ أَوْ أَفْطَرَهُ، هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْم. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَقْضِيه إنْ كَانَ أَفْطَرَهُ وَهُوَ مُطِيقٌ لِصِيَامِهِ.
وَلَنَا أَنَّهُ زَمَنٌ مَضَى فِي حَالِ صِبَاهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ، كَمَا لَوْ بَلَغَ بَعْدَ انْسِلَاخِ رَمَضَان. وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَهُوَ مُفْطِرٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَضَاؤُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
[مَسْأَلَةُ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي شَهْرِ رَمَضَان]
(٢١٠٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي شَهْرِ رَمَضَان، صَامَ مَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ بَقِيَّةِ شَهْرِهِ) أَمَّا صَوْمُ مَا يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ بَقِيَّةِ شَهْرِهِ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَمَّا قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ إسْلَامِهِ، فَلَا يَجِبُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ كَالْمَذْهَبَيْنِ.
وَلَنَا، أَنَّ مَا مَضَى عِبَادَةٌ خَرَجَتْ فِي حَالِ كُفْرِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ، كَالرَّمَضَانِ الْمَاضِي. (٢١٠٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إمْسَاكُهُ وَيَقْضِيه. هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ الْمَاجِشُونِ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ فِي زَمَنِ الْعِبَادَة مَا يُمْكِنُهُ التَّلَبُّسُ بِهَا فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ خُرُوجِ الْيَوْمِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ. وَلَنَا أَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الْعِبَادَةِ فَلَزِمَتْهُ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute