الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدِي أَنَّهُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبِضْعِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا مُنْفَرِدَةً، وَلَا مَعَ غَيْرِهَا، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا مُفْرَدَةً عَنْ الرَّقَبَةِ بِغَيْرِ التَّزْوِيجِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِلرَّقَبَةِ، فَتَكُونُ لِصَاحِبِهَا، وَلَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ أَخْذَ بَدَلِهَا، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، فَهُوَ حُرٌّ، وَتَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ وَضْعِهِ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ، يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ وَلَا لِصَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا، وَلَا هُوَ زَوْجٌ لَهَا، وَلَا يُبَاحُ الْوَطْءُ بِغَيْرِهِمَا، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] . وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ لَا يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا. وَلَا يَأْمَنُ أَنْ تَحْبَلَ مِنْهُ، فَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى إهْلَاكِهَا، وَأَيُّهُمَا وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ؛ لِوُجُودِ الْمِلْكِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا، وَوَلَدُهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ. فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ وَلَدِهَا يَوْمَ وَضَعَهُ، وَحُكْمُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا وَطِئَهَا غَيْرُهُمَا بِشُبْهَةٍ. وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مَالِكَ الرَّقَبَةِ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ، وَفِي وُجُوبِ قِيمَتِهِ عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَعِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَاطِئُ مَالِكًا الرَّقَبَةَ، فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَلَهُ الْمَهْرُ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ، إذَا كَانَ هُوَ الْوَاطِئَ. وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، بِعَكْسِ ذَلِكَ فِيهِمَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْلِيلُ ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ إذَا وَطِئَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمَنْفَعَةَ، فَلَزِمَهُ الْحَدُّ، كَالْمُسْتَأْجِرِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَلَدُهُ مَمْلُوكًا. (٤٦٧٣) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتِهَا، وَمَالِكَ الرَّقَبَةِ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ بِتَزْوِيجِهَا. فَإِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ، لَزِمَ تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهَا، وَحَقُّهَا فِي ذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْهُ مِنْ سَيِّدِهَا الَّذِي يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا وَنَفْعَهَا، أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَقُدِّمَ حَقُّهَا عَلَى حَقِّهِ. وَكَذَلِكَ إنْ اتَّفَقَا عَلَى تَزْوِيجِهَا قَبْلَ طَلَبِهَا، جَازَ، وَوَلِيُّهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَالِكٌ رَقَبَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا. وَالْكَلَامُ فِي مَهْرِهَا وَوَلَدِهَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ.
[فَصْلٌ قَتَلَ الْعَبْد الْمُوصَى بِنَفْعِهِ]
فَصْلٌ: وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِنَفْعِهِ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ، يُشْتَرَى بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُوصَى بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ تَعَلَّقَ بِبَدَلِهَا، إذَا لَمْ يَبْطُلْ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا. وَيُفَارِقُ الزَّوْجَةَ وَالْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ يَبْطُلُ بِتَلَفِهِمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ الْقِيمَةُ لِلْوَارِثِ، أَوْ مَالِكِ الرَّقَبَةِ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلُ الرَّقَبَةِ، فَتَكُونُ لِصَاحِبِهَا، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ، كَمَا تَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute