[فَصْلٌ لَيْسَ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاء وَقْت]
(١٤٧٧) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُتَّسِعٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى فِعْلِهَا فِي وَقْتِ النَّهْيِ، وَالْأَوْلَى فِعْلُهَا فِي وَقْتِ الْعِيدِ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا فِي الْمَوْضِعِ وَالصِّفَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ، لِأَنَّ وَقْتَهَا لَا يَفُوتُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ، لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا يَوْمٌ مُعَيَّنٌ، فَلَا يَكُونُ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْخُرُوجُ إلَيْهَا عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ، إلَّا أَبَا بَكْرِ بْنَ حَزْمٍ.
وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ، لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا فِيهِ.
[مَسْأَلَةٌ فِي صَلَاة الِاسْتِسْقَاء خُطْبَة]
(١٤٧٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (ثُمَّ يَخْطُبُ، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْخُطْبَةِ لِلِاسْتِسْقَاءِ، وَفِي وَقْتِهَا، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِيهَا خُطْبَةً بَعْدَ الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اتَّفَقُوا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ خُطْبَةً، وَصُعُودًا عَلَى الْمِنْبَرِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ.
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَطَبَنَا. وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: صَنَعَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدَيْنِ. وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ تَكْبِيرٍ، فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْعِيدِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّهُ يُخْطَبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَهِشَامُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.
وَذَهَبَ إلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ وَعَائِشَةُ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ وَصَلَّى» . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَحَوَّلَ ظَهْرَهُ إلَى النَّاسِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، قَالَ: أَدْرَكْت أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ، وَهِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، كَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ يَسْتَسْقُوا، خَرَجُوا لِلْبَرَازِ، فَكَانُوا يَخْطُبُونَ، ثُمَّ يَدْعُونَ اللَّهَ، وَيُحَوِّلُونَ وُجُوهَهُمْ إلَى الْقِبْلَةِ حِينَ يَدْعُونَ، ثُمَّ يُحَوِّلُ أَحَدُهُمْ رِدَاءَهُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَمَا عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ، وَيَنْزِلُ أَحَدُهُمْ فَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، يَجْهَرُ بِهِمْ.
الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ، هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا؛ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِكِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَدَلَالَتِهَا عَلَى كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ. وَالرَّابِعَةُ، أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ، وَإِنَّمَا يَدْعُو وَيَتَضَرَّعُ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يَخْطُبْ كَخُطْبَتِكُمْ هَذِهِ، لَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute