[فَصْلُ جَامَعَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ]
(٢٠٦٢) فَصْلٌ: وَمَنْ جَامَعَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَعَ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَلَوْ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الْوَطْءِ فَاسْتَدَامَ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَأْثَمْ، فَلَا يَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ، كَوَطْءِ النَّاسِي، وَإِنْ عَلِمَ فَاسْتَدَامَ فَقَدْ حَصَلَ الْوَطْءُ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ فِي غَيْرِ صَوْمٍ. وَلَنَا حَدِيثُ الْمُجَامِعِ، إذْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّكْفِيرِ، مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَلَا تَفْصِيلٍ. وَلِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ عَلِمَ، وَوَطْءُ النَّاسِي مَمْنُوعٌ. ثُمَّ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْفِطْرُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
[مَسْأَلَةُ كَفَّارَةُ الْجِمَاع فِي نَهَار رَمَضَانَ]
(٢٠٦٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ كَفَّارَةَ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي التَّرْتِيبِ، يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ إنْ أَمْكَنَهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ انْتَقَلَ إلَى الصِّيَامِ، فَإِنْ عَجَزَ انْتَقَلَ إلَى إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ، وَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ؛ لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَ (أَوْ) حَرْفُ تَخْيِيرٍ. وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْمُخَالَفَةِ، فَكَانَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ، كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي نَأْخُذُ بِهِ فِي الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، أَوْ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَيْسَ التَّحْرِيرُ وَالصِّيَامُ مِنْ كَفَّارَةِ رَمَضَانَ فِي شَيْءٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِمُخَالَفَتِهِ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَلَا شَيْءَ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ، وَغَيْرُهُمْ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِلْوَاقِعِ عَلَى أَهْلِهِ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ:» لَا. وَذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute