[فَصْلٌ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ أَوْ مَنْكِبَيْهِ فِي الصَّلَاة]
(٨٢٦) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ أَوْ مَنْكِبَيْهِ، سَتَرَ عَوْرَتَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ» . وَهَذَا الثَّوْبُ ضَيِّقٌ. وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «لَا يَشْتَمِلْ أَحَدُكُمْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ، لِيَتَوَشَّحْ، وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَأْتَزِرْ وَلْيَرْتَدِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ ثُمَّ لِيُصَلِّ» . وَلِأَنَّ السَّتْرَ لِلْعَوْرَةِ وَاجِبٌ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهِ مُتَأَكِّدٌ، وَسَتْرَ الْمَنْكِبَيْنِ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّخْفِيفِ مَا فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ الثَّوْبُ اللَّطِيفُ، لَا يَبْلُغُ أَنْ يَعْقِدَهُ، يَرَى أَنْ يَتَّزِرَ بِهِ وَيُصَلِّيَ؟ قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُ. وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ لَطِيفًا صَلَّى قَاعِدًا، وَعَقَدَ مِنْ وَرَائِهِ. وَظَاهِرُ هَذَا، أَنَّهُ قَدْ سَتَرَ الْمَنْكِبَيْنِ عَلَى الْقِيَامِ، وَسَتَرَ مَا عَدَا الْفَرْجَيْنِ، وَلِأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ فِي سَتْرِ الْمَنْكِبَيْنِ أَصَحُّ مِنْهُ فِي سَتْرِ الْفَرْجَيْنِ، وَأَنَّ الْقِيَامَ لَهُ بَدَلٌ، وَسَتْرَ الْمَنْكِبَيْنِ لَا بَدَلَ لَهُ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا؛ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ تَأَكُّدِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْقِيَامِ، وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِيهِ قِصَّةٌ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «سِرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ ذَهَبْت أُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، فَلَمْ تَبْلُغْ لِي، وَكَانَتْ لَهَا ذَبَاذِبُ، فَنَكَّسْتُهَا، ثُمَّ خَالَفْتُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، ثُمَّ تَوَاقَصْتُ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَسْقُطَ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ. قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْمُقُنِي وَأَنَا لَا أَشْعُرُ، ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ، فَأَشَارَ إلَيَّ أَنْ اتَّزِرْ بِهَا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا جَابِرُ. قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: إذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ» .
[فَصْلٌ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة]
(٨٢٧) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ، وَسَتْرَهُمَا آكَدُ، وَهُمَا مِنْ الْعَوْرَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. فَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا سَتَرَ أَيَّهُمَا شَاءَ. وَاخْتُلِفَ فِي أَوْلَاهُمَا بِالسَّتْرِ، فَقِيلَ: الدُّبُرُ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ، لَا سِيَّمَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقِيلَ: الْقُبُلُ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يَسْتُرُهُ، وَالدُّبُرُ مَسْتُورٌ بِالْأَلْيَتَيْنِ.
[مَسْأَلَة صَلَّى جَمَاعَةٌ عُرَاةٌ]
(٨٢٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: فَإِنْ صَلَّى جَمَاعَةٌ عُرَاةً، كَانَ الْإِمَامُ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ وَسَطًا، يُومِئُونَ إيمَاءً. وَيَكُونُ سُجُودُهُمْ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute