أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي الْعَيْنِ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ مَعَ يَمِينِهِ.
فَإِذَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا، كَانَتْ يَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهَا، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي نِصْفِهَا مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، تَعَارَضَتَا، وَصَارَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ، وَنَكَلَا عَنْ الْيَمِينِ، كَانَ الْحَائِطُ فِي أَيْدِيهِمَا عَلَى مَا كَانَ. وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الْآخَرُ، قُضِيَ عَلَى النَّاكِلِ، فَكَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ.
وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يُرَجَّحُ بِالْعَقْدِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ.
وَلَنَا، أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا الْبِنَاءِ بُنِيَ كُلُّهُ بِنَاءً وَاحِدًا، فَإِذَا كَانَ بَعْضُهُ لِرَجُلِ، كَانَ بَقِيَّتُهُ لَهُ، وَالْبِنَاءُ الْآخَرُ الْمَحْلُولُ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ بُنِيَ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ بُنِيَ مَعَ هَذَا، كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِغَيْرِ صَاحِبِ هَذَا الْحَائِطِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَجَّحَ بِهَذَا، كَالْيَدِ وَالْأَزَجِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ تَجْعَلُوهُ لَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ لِذَلِكَ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَلَيْسَ بِيَقِينٍ، إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بَنَى الْحَائِطَ لِصَاحِبِهِ تَبَرُّعًا مَعَ حَائِطِهِ، أَوْ كَانَ لَهُ فَوَهَبَهُ إيَّاهُ، أَوْ بَنَاهُ بِأُجْرَةِ، فَشُرِعَتْ الْيَمِينُ مِنْ أَجْلِ الِاحْتِمَالِ، كَمَا شُرِعَتْ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْيَدِ وَسَائِرِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ.
فَأَمَّا إنْ كَانَ مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا عَقْدًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ، مِثْلُ الْبِنَاءِ بِاللَّبِنِ وَالْآجُرِّ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْزَعَ مِنْ الْحَائِطِ الْمَبْنِيِّ نِصْفَ لَبِنَةٍ أَوْ آجُرَّةً، أَوْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا لَبِنَةً صَحِيحَةً أَوْ آجُرَّةً صَحِيحَةً تُعْقَدُ بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُرَجَّحُ بِهَذَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَعَلَ هَذَا لِيَتَمَلَّكَ الْحَائِطَ الْمُشْتَرَكَ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِهَذَا الِاتِّصَالِ، كَمَا يُرَجَّحُ بِالِاتِّصَالِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَائِطِ لَا يَدَعُ غَيْرَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ، بِنَزْعِ آجُرِّهِ، وَتَغْيِيرِ بِنَائِهِ، وَفِعْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَجَّحَ بِهَذَا، كَمَا يُرَجَّحُ بِالْيَدِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ يَدًا عَادِيَةً، حَدَثَتْ بِالْغَصْبِ أَوْ بِالسَّرِقَةِ أَوْ الْعَارِيَّة أَوْ الْإِجَارَةِ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ التَّرْجِيحَ بِهَا.
[فَصْلٌ كَانَ لَأَحَدِهِمَا بِنَاءٌ كَحَائِطِ مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ]
(٣٥٣٤) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ لَأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ بِنَاءٌ، كَحَائِطٍ مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ، أَوْ عَقْدٍ مُعْتَمَدٍ عَلَيْهِ، أَوْ قُبَّةٍ وَنَحْوهَا فَهُوَ لَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ وَضْعَ بِنَائِهِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْيَدِ الثَّابِتَةِ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute