للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ، وَالْحَمْلُ لَاحِقٌ بِهِ، وَبَنَوْهُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا صِحَّتَهُ فِيمَا مَضَى.

[فَصْلٌ لَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وَالصَّغِيرِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ تَزْوِيجُهُمْ مِمَّنْ بِهِ أُحُد عُيُوبِ النِّكَاح]

(٥٥١٣) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وَالصَّغِيرِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ تَزْوِيجُهُمْ مِمَّنْ بِهِ أَحَدُ هَذِهِ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لَهُمْ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ، وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي هَذَا الْعَقْدِ

فَإِنْ زَوَّجَهُمْ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَقَارَهُ لِغَيْرِ غِبْطَةٍ وَلَا حَاجَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ، صَحَّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهُمْ مَعِيبًا لَا يَعْلَمُ عَيْبَهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ النَّظَرَ لَهُمْ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ، وَالْحَظُّ فِي الْفَسْخِ

وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ زَوَّجَهُمْ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُمْ إيَّاهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهُمْ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ.

[فَصْلٌ تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ بِمَعِيبِ بِغَيْرِ رِضَاهَا]

(٥٥١٤) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ بِمَعِيبِ بِغَيْرِ رِضَاهَا. بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ إذَا عَلِمَتْ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَالِامْتِنَاعُ أَوْلَى. وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ مَعِيبًا، فَلَهُ مَنْعُهَا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ أَحْمَدُ مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُزَوِّجَهَا بِعِنِّينٍ، وَإِنْ رَضِيت السَّاعَةَ تَكْرَهُهُ إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِنَّ النِّكَاحَ، وَيُعْجِبُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْجِبُنَا

وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي هَذَا دَائِمٌ، وَالرِّضَى غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِدَوَامِهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّخَلُّصِ إذَا كَانَتْ عَالِمَةً فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى الشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ، فَيَتَضَرَّرُ وَلِيُّهَا وَأَهْلُهَا، فَمَلَكَ الْوَلِيُّ مَنْعَهَا، كَمَا لَوْ أَرَادَتْ نِكَاحَ مَنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ. وَالثَّانِي، لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ مَنْعُهَا مِنْ نِكَاحِ الْمَجْنُونِ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ نِكَاحِ الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا عَلَيْهَا خَاصَّةً. وَفِي الْأَبْرَصِ وَالْمَجْذُومِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَالضَّرَرَ عَلَيْهَا، فَأَشْبَهَا الْمَجْبُوبَ وَالْعِنِّينَ. وَالثَّانِي، لَهُ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُعَيَّرُ بِهِ، وَيُخْشَى تَعَدِّيهِ إلَى الْوَلَدِ، فَأَشْبَهَ التَّزْوِيجَ بِمَنْ لَا يُكَافِئُهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَوْلَى أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا فِيهِ ضَرَرًا دَائِمًا، وَعَارًا عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا، فَمَلَكَ مَنْعَهَا مِنْهُ، كَالتَّزْوِيجِ بِغَيْرِ كُفْءٍ. فَأَمَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، وَرَضِيَا بِهِ، جَازَ، وَصَحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا

وَيُكْرَهُ لَهُمَا ذَلِكَ؛ لِمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ أَنَّهَا وَإِنْ رَضِيت الْآنَ، تَكْرَهُهُ فِيمَا بَعْدُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهَا وَمَنْعَهَا مِنْ هَذَا التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُمْ، وَيَنَالُهُمْ الضَّرَرُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ

فَأَمَّا إنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِالزَّوْجِ، وَرَضِيَتْهُ الْمَرْأَةُ، لَمْ يَمْلِكْ وَلِيُّهَا إجْبَارَهَا عَلَى الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا فِي دَوَامِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>