أَحَدُهَا، أَنَّ عَيْنَ الْأَعْوَرِ حَصَلَ بِهَا مَا يَحْصُلُ بِالْعَيْنَيْنِ، وَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْأَحْكَامِ إلَّا تَفَاوُتًا يَسِيرًا، بِخِلَافِ أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ.
وَالثَّانِي؛ أَنَّ عَيْنَ الْأَعْوَرِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ صِفَةِ ذَهَابِ الْأُولَى. وَهَا هُنَا اخْتَلَفَا. الثَّالِثُ؛ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ وَالتَّعْيِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَمْرٌ لَا يُصَارُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ، وَلَا تَوْقِيفَ فِيهِ فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ تَحَكُّمٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَيَجِبُ اطِّرَاحُهُ.
وَإِنْ قُطِعَتْ أُذُنُ مِنْ قُطِعَتْ أُذُنُهُ، أَوْ مَنْخِرُ مَنْ قُطِعَتْ مَنْخِرُهُ، لَمْ يَجِبْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ كُلِّ أُذُنٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْأُخْرَى، بِخِلَافِ الْعَيْنَيْنِ.
[مَسْأَلَةٌ دِيَة أَشْفَار الْعَيْنَيْنِ]
(٦٩٠٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَفِي الْأَشْفَارِ الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ) . يَعْنِي أَجْفَانَ الْعَيْنَيْنِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ، فَفِي جَمِيعِهَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذِي عَدَدٍ تَجِبُ فِي جَمِيعِهِ الدِّيَةُ، تَجِبُ فِي الْوَاحِدِ مِنْهَا بِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ، كَالْيَدَيْنِ وَالْأَصَابِعِ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو هَاشِمٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَعَنْ مَالِكٍ فِي جَفْنِ الْعَيْنِ وَحِجَاجِهَا الِاجْتِهَادُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ تَقْدِيرُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّقْدِيرُ لَا يَثْبُتُ قِيَاسًا. وَلَنَا أَنَّهَا أَعْضَاءٌ فِيهَا جَمَالٌ ظَاهِرٌ، وَنَفْعٌ كَامِلٌ؛ فَإِنَّهَا تُكِنُّ الْعَيْنَ، وَتَحْفَظُهَا، وَتَقِيهَا الْحَرَّ وَالْبَرْدَ، وَتَكُونُ كَالْغَلَقِ عَلَيْهَا، يُطْبِقُهُ إذَا شَاءَ، وَيَفْتَحُهُ إذَا شَاءَ، وَلَوْلَاهَا لَقَبُحَ مَنْظَرُهُ، فَوَجَبَتْ فِيهَا الدِّيَةُ، كَالْيَدَيْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَثْبُتُ قِيَاسًا. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ فِي أَحَدِهَا رُبْعَ الدِّيَةِ.
وَحُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَعْلَى ثُلُثَا دِيَةِ الْعَيْنِ، وَفِي الْأَسْفَلِ ثُلُثُهَا؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ نَفْعًا. وَلَنَا، أَنَّ كُلَّ ذِي عَدَدٍ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي جَمِيعِهِ، تَجِبُ بِالْحِصَّةِ فِي الْوَاحِدِ مِنْهُ، كَالْيَدَيْنِ وَالْأَصَابِعِ، وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِالْيُمْنَى مَعَ الْيُسْرَى وَالْأَصَابِعِ. وَإِنْ قَلَعَ الْعَيْنَيْنِ بِأَشْفَارِهِمَا، وَجَبَتْ دِيَتَانِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، فَوَجَبَتْ بِإِتْلَافِهِمَا جُمْلَةً دِيَتَانِ، كَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ. وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي أَشْفَارِ عَيْنِ الْأَعْمَى؛ لِأَنَّ ذَهَابَ بَصَرِهِ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الْأَجْفَانِ، فَلَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِيهَا، كَذَهَابِ الشَّمِّ، لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي الْأَنْفِ
(٦٩٠٦) فَصْلٌ: وَتَجِبُ فِي أَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ بِمُفْرَدِهَا الدِّيَةُ، وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْأَجْفَانِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ حُكُومَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute