الْقَرَابَتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِحُكْمٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرَابَتَيْنِ تَنْقَسِمُ إلَى مَا تَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِحُكْمٍ، كَابْنِ الْعَمِّ إنْ كَانَ أَخًا مِنْ أُمٍّ، فَإِنَّهُ يَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقَرَابَتَيْنِ مِيرَاثًا مُنْفَرِدًا، يَرِثُ السُّدُسَ بِالْأُخُوَّةِ، وَيَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ بِبُنُوَّةِ الْعَمِّ، وَحَجْبُ إحْدَى الْقَرَابَتَيْنِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَجْبِ الْأُخْرَى، فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي قُوَّةٍ وَلَا تَرْجِيحٍ، وَلِذَلِكَ لَا يُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ عَلَى غَيْرِهِ، وَمَا لَا يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمٍ، كَابْنِ الْعَمِّ مِنْ أَبَوَيْنِ مَعَ ابْنِ عَمٍّ مِنْ أَبٍ، لَا تَنْفَرِدُ إحْدَى الْقَرَابَتَيْنِ بِمِيرَاثٍ عَنْ الْأُخْرَى، فَتُؤَثِّرُ فِي التَّرْجِيحِ وَقُوَّةِ التَّعْصِيبِ؛ وَلِذَلِكَ أَثَّرَتْ فِي التَّقْدِيمِ فِي الْمِيرَاثِ، فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِ.
وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُسَوَّى بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَيُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ» . وَلَنَا، أَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالتَّعْصِيبِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ فِيهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، كَالْمِيرَاثِ، وَالْخَبَرُ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّنَا نَقْسِمُهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ إذَا لَمْ يَفِ بِهِ الْأَقْرَبُ، فَنَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ.
[فَصْلٌ لَا يَحْمِل الْعَقْل إلَّا مِنْ يَعْرِفُ نَسُبّهُ مِنْ الْقَاتِل]
(٦٨٢٣) فَصْلٌ: وَلَا يَحْمِلُ الْعَقْلَ إلَّا مَنْ يُعْرَفُ نَسَبُهُ مِنْ الْقَاتِلِ، أَوْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ كُلُّهُمْ فِي الْعَقْلِ، وَمَنْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْهُ لَا يَحْمِلُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَبِيلَتِهِ، فَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ قُرَشِيًّا، لَمْ يَلْزَمْ قُرَيْشًا كُلَّهُمْ التَّحَمُّلُ، فَإِنَّ قُرَيْشًا وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنَّ قَبَائِلَهُمْ تَفَرَّقَتْ، وَصَارَ كُلُّ قَوْمٍ يَنْتَسِبُونَ إلَى أَبٍ يَتَمَيَّزُونَ بِهِ، فَيَعْقِلُ عَنْهُمْ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِي نَسَبِهِمْ إلَى الْأَبِ الْأَدْنَى، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ بَنُو آدَمَ، فَهُمْ رَاجِعُونَ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّ إنْ كَانَ مِنْ فَخِذٍ وَاحِدٍ، يُعْلَمُ أَنَّ جَمِيعَهُمْ يَتَحَمَّلُونَ، وَجَبَ أَنْ يَحْمِلَ جَمِيعُهُمْ، سَوَاءٌ عَرَفَ أَحَدُهُمْ نَسَبَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ؛ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ.
وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْقَاتِلِ مِنْ أَحَدٍ، فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَكَذَلِكَ يَعْقِلُونَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَإِنْ وُجِدَ لَهُ مَنْ يَحْمِلُ بَعْضَ الْعَقْلِ، فَالْبَاقِي فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَلِكَ.
[فَصْلٌ عَدَم الْإِجْحَاف عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْمَالِ]
(٦٨٢٤) فَصْلٌ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تُكَلَّفُ مِنْ الْمَالِ مَا يُجْحِفُ بِهَا، وَيَشُقُّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهَا مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِلْقَاتِلِ، وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ، فَلَا يُخَفِّفُ عَنْ الْجَانِي بِمَا يُثْقِلُ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُجْحِفُ بِهِ، كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِجْحَافُ مَشْرُوعًا، كَانَ الْجَانِي أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ، وَجَزَاءُ فِعْلِهِ، فَإِذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّهِ، فَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْلَى.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا يَحْمِلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَقَالَ أَحْمَدُ: يَحْمِلُونَ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُونَ. فَعَلَى هَذَا لَا يَتَقَدَّرُ شَرْعًا، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَيَفْرِضُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرًا يَسْهُلُ وَلَا يُؤْذِي. وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute