فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ جُدِّدَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، لَمْ يَنْظُرْ فِي مَالِهِ إلَّا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، وَزَوَالَهُ يَفْتَقِرُ إلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ النَّظَرُ فِي مَالِهِ.
[مَسْأَلَةٌ أَقَرَّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا]
(٣٤٨٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَأَنْ أَقَرَّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا، أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، لَزِمَهُ ذَلِكَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ، لِفَلَسٍ، أَوْ سَفَهٍ، إذَا أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا، كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالشُّرْبِ، وَالْقَذْفِ، وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ، أَوْ قَطْعِ الْيَدِ، وَمَا أَشْبَهَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مَقْبُولٌ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْحَال. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ جَائِزٌ، إذَا كَانَ إقْرَارُهُ بِزِنًا، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ قَتْلٍ، وَأَنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلَا أَحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْحَجْرُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَالِهِ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ. وَإِنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، نَفَذَ طَلَاقُهُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمَالٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِمَالٍ، فَلَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَالْمَالِ. وَلَنَا، أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ، وَلَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ. كَالْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ. وَدَلِيلُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْمَالِ، أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، مَعَ مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَلَا يُمْلَكُ بِالْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مُخْتَارًا، فَوَقَعَ طَلَاقُهُ، كَالْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ.
[فَصْلٌ إذَا أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاص فَعَفَا الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى مَالٍ]
فَصْلٌ: وَإِذَا أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَعَفَا الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى مَالٍ، احْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ قِصَاصٍ ثَابِتٍ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، بِأَنْ يَتَوَاطَأَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَالْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْقِصَاصِ، وَالْعَفْوِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ. وَلِأَنَّهُ وُجُوبُ مَالٍ، مُسْتَنَدُهُ إقْرَارُهُ، فَلَمْ يَثْبُتْ، كَالْإِقْرَارِ بِهِ ابْتِدَاءً. فَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَسْقُطُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ فِي الْحَالِ.
[فَصْلٌ خَلَعَ الْمَحْجُور عَلَيْهِ]
(٣٤٨٥) فَصْلٌ: وَإِنْ خَالَعَ، صَحَّ خُلْعُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ الطَّلَاقُ، وَلَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَالْخُلْعُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْمَالُ أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْعِوَضَ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ، وَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَمْ تَبْرَأْ الْمَرْأَةُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ ضَمَانِهَا إنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهَا سَلَّطَتْهُ عَلَى إتْلَافِهِ.
[فَصْلٌ عِتْق الْمَحْجُور عَلَيْهِ]
(٣٤٨٦) فَصْلٌ: وَإِنْ أَعْتَقَ، لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَحَكَى