عَلَيْهِ، قَالَ الْخَلَّالُ: تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءُ، بَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ، فَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ شَهْوَةٍ وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: إنْ خَرَجَ بَعْدَ الْبَوْلِ، فَلَا غُسْلَ فِيهِ، وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَهُ اغْتَسَلَ.
وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ مَاءٍ خَرَجَ بِالدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ، فَأَوْجَبَ الْغُسْلَ كَالْأَوَّلِ وَبَعْدَ الْبَوْلِ خَرَجَ بِغَيْرِ دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ بَقِيَّةُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَقِيَّتَهُ لَمَا تَخَلَّفَ بَعْدَ الْبَوْلِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِكُلِّ حَالٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِخُرُوجِهِ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ جَنَابَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ غُسْلَانِ، كَمَا لَوْ خَرَجَ دُفْعَةً وَاحِدَةً.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يَصْلُحُ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ، وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا جَامَعَ فَلَمْ يُنْزِلْ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أَنْزَلَ، فَإِنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهِ بِالْإِنْزَالِ مَعَ وُجُوبِهِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ.
[فَصْلٌ رَأَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَمْ يَجِدْ مَنِيًّا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ]
(٢٨٢) فَصْلٌ: إذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ، وَلَمْ يَجِدْ مَنِيًّا، فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَكِنْ إنْ مَشَى فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ، أَوْ خَرَجَ بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ، فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ انْتَقَلَ، وَتَخَلَّفَ خُرُوجُهُ إلَى مَا بَعْدَ الِاسْتِيقَاظِ. وَإِنْ انْتَبَهَ فَرَأَى مَنِيًّا، وَلَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامًا، فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ لَا نَعْلَمُ فِيهِ اخْتِلَافًا أَيْضًا.
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ خُرُوجَهُ كَانَ لَاحْتِلَامٍ نَسِيَهُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى الْفَجْرَ بِالْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْجُرْفِ فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا، فَقَالَ: مَا أَرَانِي إلَّا قَدْ احْتَلَمْت، فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ ثَوْبَهُ، وَصَلَّى.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُثْمَانَ، وَرَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا؟ قَالَ: يَغْتَسِلُ وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ، وَلَا يَجِدُ بَلَلًا فَقَالَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَرَى الْمَاءَ
[فَصْلٌ انْتَبَهَ مِنْ النَّوْمِ فَوَجَدَ بَلَلًا لَا يَعْلَمُ هَلْ هُوَ مَنِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ]
(٢٨٣) فَصْلٌ: إذَا انْتَبَهَ مِنْ النَّوْمِ فَوَجَدَ بَلَلًا لَا يَعْلَمُ هَلْ هُوَ مَنِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا وَجَدَ بِلَّةً اغْتَسَلَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ إبْرِدَةٌ، أَوْ لَاعَبَ أَهْلَهُ؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ، فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.