وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، لَا يُحَدُّ وَلَهُ وَلَدٌ، كَالْمَجْنُونَةِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ، فَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ شَرْطٌ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيْ التَّكْلِيفِ، فَأَشْبَهَ الْعَقْلَ؛ وَلِأَنَّ زِنَا الصَّبِيِّ لَا يُوجِبُ حَدًّا، فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْقَذْفِ بِهِ، كَزِنَا الْمَجْنُونِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ عَاقِلٌ عَفِيفٌ يَتَعَيَّرُ بِهَذَا الْقَوْلِ الْمُمْكِنِ صِدْقُهُ، فَأَشْبَهَ الْكَبِيرَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ.
فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَأَدْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْغُلَامِ عَشْرٌ، وَلِلْجَارِيَةِ تِسْعٌ. (٧٢١٠) فَصْلٌ: وَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِ الْخَصِيِّ، وَالْمَجْبُوبِ، وَالْمَرِيضِ الْمُدْنِفِ، وَالرَّتْقَاءِ، وَالْقَرْنَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ مَجْبُوبٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَكَذَلِكَ الرَّتْقَاءُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْخَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَارَ مُنْتَفٍ عَنْ الْمَقْذُوفِ بِدُونِ الْحَدِّ، لِلْعِلْمِ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ، وَالْحَدُّ إنَّمَا يَجِبُ لِنَفْيِ الْعَارِ. وَلَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] . وَالرَّتْقَاءُ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ هَذَا؛ وَلِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِمُحْصَنٍ، فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ، كَقَاذِفِ الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ؛ وَلِأَنَّ إمْكَانَ الْوَطْءِ أَمْرٌ خَفِيٌّ، لَا يَعْلَمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَلَا يَنْتَفِي الْعَارُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِدُونِ الْحَدِّ، فَيَجِبُ، كَقَذْفِ الْمَرِيضِ.
[فَصْلٌ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ]
(٧٢١١) فَصْلٌ: وَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارٍ لَا حَدَّ عَلَى أَهْلِهَا. وَلَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} [النور: ٤] . الْآيَةَ. وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ، قَذَفَ مُحْصَنًا، فَأَشْبَهَ مَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
[فَصْلٌ قَدْرُ حَدِّ الْقَاذِفِ]
(٧٢١٢) فَصْلٌ: وَقَدْرُ الْحَدِّ ثَمَانُونَ، إذَا كَانَ الْقَاذِفُ حُرًّا؛ لِلْآيَةِ وَالْإِجْمَاعِ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا غَيْرَ مُكْرَهٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُشْتَرَطَةٌ لِكُلِّ حَدٍّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute