[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ فِي الْمَأْمُومَةِ وَلَا فِي الْجَائِفَةِ قِصَاصٌ]
(٦٦٨٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَيْسَ فِي الْمَأْمُومَةِ، وَلَا فِي الْجَائِفَةِ قِصَاصٌ) الْمَأْمُومَةُ: شِجَاجُ الرَّأْسِ، وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةِ الدِّمَاغِ، وَتُسَمَّى تِلْكَ الْجِلْدَةُ أُمَّ الدِّمَاغِ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُهُ، فَالشَّجَّةُ الْوَاصِلَةُ إلَيْهَا تُسَمَّى مَأْمُومَةً وَآمَّةً، لِوُصُولِهَا إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ. وَالْجَائِفَةُ فِي الْبَدَنِ، وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ. وَلَيْسَ فِيهِمَا قِصَاصٌ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ نَعْلَمُهُ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَصَّ مِنْ الْمَأْمُومَةِ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: مَا سَمِعْنَا أَحَدًا قَصَّ مِنْهَا قَبْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَمِمَّنْ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ قِصَاصًا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا قِصَاصَ فِي الْمَأْمُومَةِ. وَقَالَهُ مَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ: لَا قِصَاصَ فِي الْجَائِفَةِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، فِي " سُنَنِهِ "، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا قَوَدَ فِي الْمَأْمُومَةِ، وَلَا فِي الْجَائِفَةِ، وَلَا فِي الْمُنَقِّلَةِ» . وَلِأَنَّهُمَا جُرْحَانِ لَا تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِمَا قِصَاصٌ، كَكَسْرِ الْعِظَامِ.
[فَصْلٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ شِجَاجِ الرَّأْسِ قِصَاصٌ سِوَى الْمُوضِحَةِ]
(٦٦٨٨) فَصْلٌ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ شِجَاجِ الرَّأْسِ قِصَاصٌ سِوَى الْمُوضِحَةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا دُون الْمُوضِحَةِ، كَالْحَارِصَةِ، وَالْبَازِلَةِ، وَالْبَاضِعَةِ، وَالْمُتَلَاحِمَةِ، وَالسِّمْحَاقِ، وَمَا فَوْقَهَا، وَهِيَ الْهَاشِمَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ وَالْآمَّةُ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. فَأَمَّا مَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ، فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ فِيهَا الْقِصَاصَ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ أَقَادَ مِنْ الْمُنَقَّلَةِ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ؛ عَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ ذَلِكَ. وَلِأَنَّهُمَا جِرَاحَتَانِ لَا تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا، أَشْبَهَا الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ. وَأَمَّا مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ فِي الدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالسِّمْحَاقِ.
وَلَنَا، أَنَّهَا جِرَاحَةٌ لَا تَنْتَهِي إلَى عَظْمٍ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قِصَاصٌ، كَالْمَأْمُومَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا الزِّيَادَةُ، فَأَشْبَهَ كَسْرَ الْعِظَامِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ، أَنَّهُ إنْ اقْتَصَّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، أَفْضَى إلَى أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرِ مِنْ حَقِّهِ، وَإِنْ اعْتَبَرَ مِقْدَارَ الْعُمْقِ، أَفْضَى إلَى أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْبَاضِعَةِ وَالسِّمْحَاقِ مُوضِحَةً، وَمِنْ الْبَاضِعَةِ سِمْحَاقًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَحْمُ الْمَشْجُوجِ كَثِيرًا، بِحَيْثُ يَكُونُ عُمْقُ بَاضِعَتِهِ كَعُمْقِ مُوضِحَةِ الشَّاجِّ، أَوْ سِمْحَاقِهِ، وَلِأَنَّنَا لَمْ نَعْتَبِرْ فِي الْمُوضِحَةِ قَدْرَ عُمْقِهَا، فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهَا. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute