وَلَنَا، إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْجُرُفِ، فَأَهْرَقَ الْمَاءَ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا، فَأَعَادَ وَلَمْ يُعِيدُوا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْمُصْطَلِقِ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَارْتَفَعَ النَّهَارُ فَإِذَا هُوَ بِأَثَرِ الْجَنَابَةِ. فَقَالَ: كَبِرْتُ وَاَللَّهِ، كَبِرْتُ وَاَللَّهِ، فَأَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا. وَعَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ فَأَتَمَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ آمُرُهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُعِيدَ، وَلَا آمُرُهُمْ أَنْ يُعِيدُوا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ الْغَدَاةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَعَادَ وَلَمْ يُعِيدُوا. رَوَاهُ كُلَّهُ الْأَثْرَمُ. وَهَذَا فِي مَحَلِّ الشُّهْرَةِ
، وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ فِي خِلَافِهِ، وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ، أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَتَمَّتْ لِلْقَوْمِ صَلَاتُهُمْ» . أَخْرَجَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ، فِي " جُزْءٍ ". وَلِأَنَّ الْحَدَثَ مِمَّا يَخْفَى، وَلَا سَبِيلَ لِلْمَأْمُومِ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ الْإِمَامِ، فَكَانَ مَعْذُورًا فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَيُفَارِقُ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْإِمَامِ حَدَثُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَهْزِئًا بِالصَّلَاةِ فَاعِلًا لِمَا لَا يَحِلُّ. وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ، فَإِنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ.
وَقِيَاسُ الْمَعْذُورِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ، وَالْحُكْمُ فِي النَّجَاسَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْحَدَثِ سَوَاءً؛ لِأَنَّهَا إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ، فَأَشْبَهَتْ الْأُخْرَى، وَلِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا فِي خَفَائِهَا عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، بَلْ حُكْمُ النَّجَاسَةِ أَخَفُّ، وَخَفَاؤُهَا أَكْثَرُ، إلَّا أَنَّ فِي النَّجَاسَةِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ تَصِحُّ أَيْضًا، إذَا نَسِيَهَا.
[فَصْلٌ إذَا عَلِمَ بِحَدَثِ نَفْسه فِي الصَّلَاة أَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُونَ]
(١٠٠٥) فَصْلٌ: إذَا عَلِمَ بِحَدَثِ نَفْسِهِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُونَ، لَزِمَهُمْ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَجُلٍ صَلَّى بِقَوْمٍ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ، بَعْضَ الصَّلَاةِ، فَذَكَرَ؟ قَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ يَبْتَدِئُوا الصَّلَاةَ. قُلْت لَهُ: يَقُولُ لَهُمْ اسْتَأْنِفُوا الصَّلَاةَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَنْصَرِفُ وَيَتَكَلَّمُ، وَيَبْتَدِئُونَ هُمْ الصَّلَاةَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى، إذَا عَلِمَ الْمَأْمُومُونَ أَنَّهُمْ يَبْنُونَ عَلَى صَلَاتِهِمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَبْنُونَ عَلَى صَلَاتِهِمْ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِذَلِكَ، أَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُونَ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمْ صَحِيحٌ، فَكَانَ لَهُمْ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ فَسَبَّحُوا بِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ. وَلَنَا، أَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ صَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ مَعَ الْعِلْمِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَشْبَهَ مَا لَوْ ائْتَمَّ بِامْرَأَةٍ. وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا فِيمَا إذَا اسْتَمَرَّ الْجَهْلُ مِنْهُمَا لِلْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ حَالَ اسْتِمْرَارِ الْجَهْلِ يَشُقُّ، لِتَفَرُّقِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمُوا فِي الصَّلَاةِ. وَإِنْ عَلِمَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ دُونَ بَعْضٍ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمِيعِ تَفْسُدُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْتَصَّ الْبُطْلَانُ بِمَنْ عَلِمَ دُونَ مَنْ جَهِلَ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مُبْطِلٌ اخْتَصَّ بِهِ، فَاخْتَصَّ بِالْبُطْلَانِ، كَحَدَثِ نَفْسِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute