الْمُخْتَلَفِ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَمُنْهُ. وَعَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْمُعْتَبَرُ الْإِنْفَاقُ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إذَا مَانَهُ آخِرَ لَيْلَةٍ، وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ، قِيَاسًا عَلَى مَنْ مَلَكَ عَبْدًا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَإِذَا مَانَهُ جَمَاعَةٌ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ، أَوْ مَانَهُ إنْسَانٌ بَعْضَ الشَّهْرِ، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ هَذَا تَكُونُ فِطْرَتُهُ عَلَى مِنْ مَانَهُ آخِرَ لَيْلَةٍ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ فِطْرَتُهُ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ مَانَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ الْمُؤْنَةُ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ وَلَمْ يُوجَدْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ عَلَى الْجَمِيعِ فِطْرَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَكُوا فِي مِلْكِ عَبْدٍ.
[مَسْأَلَةُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا نِصَابٌ]
(١٩٧٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا نِصَابٌ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ فَاضِلٌ عَنْ مَسْكَنِهِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَالْفَقِيرُ لَا غِنَى لَهُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، كَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا. وَلَنَا مَا رَوَى ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ أَوْ قَالَ: بُرٍّ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى» .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: «صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ» . وَلِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ لَا يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْمَالِ، فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُوبُ النِّصَابِ فِيهِ. كَالْكَفَّارَةِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ وَيُعْطَى لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ، وَاَلَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ عَاجِزٌ، فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى زَكَاةِ الْمَالِ
[فَصْلُ لَمْ يَفْضُلْ إلَّا صَاعٌ لَيْلَة الْعِيدِ]
(١٩٧٧) فَصْلٌ: وَإِذَا لَمْ يَفْضُلْ إلَّا صَاعٌ أَخْرَجَهُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَنْبَنِي عَلَى النَّفَقَةِ، فَكَمَا يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ فِي النَّفَقَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْفِطْرَةِ. فَإِنْ فَضَلَ آخَرُ أَخْرَجَهُ عَنْ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ، فَإِنَّ نَفَقَتَهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ صِلَةٌ تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ دُونَ الْإِعْسَارِ. فَإِنْ فَضَلَ آخَرُ أَخْرَجَهُ عَنْ رَقِيقِهِ؛ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ فِي الْإِعْسَارِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ تَقْدِيمُ الرَّقِيقِ عَلَى الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ فِطْرَتَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَفِطْرَتُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا. فَإِنْ فَضَلَ آخَرُ أَخْرَجَهُ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، لِأَنَّ نَفَقَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا وَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا.
وَفِي الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ الْكَبِيرِ وَجْهَانِ؛