يَقُومُ مَقَامَ طَلَبِهَا فِي الْحُضُورِ فِي إثْبَاتِهَا. وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: نَدِمْتُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنْ يُظْهِرَ رُجُوعَهُ عَنْ الْمُقَامِ عَلَى الْيَمِينِ، وَقَدْ حَصَلَ بِظُهُورِ عَزْمِهِ عَلَيْهِ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْقَاضِي، أَنَّ فَيْئَةَ الْمَعْذُورِ أَنْ يَقُولَ: فِئْتُ إلَيْك. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " مِثْلُ مَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ وَعْدَهُ بِالْفِعْلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ قَصْدِ الْإِضْرَارِ، وَفِيهِ نَوْعٌ مِنْ الِاعْتِذَارِ، وَإِخْبَارٌ بِإِزَالَتِهِ لِلضَّرَرِ عِنْدَ إمْكَانِهِ، وَلَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ: فِئْتُ إلَيْك شَيْءٌ مِنْ هَذَا. فَأَمَّا الْعَاجِزُ لِجُبٍّ أَوْ شَلَلٍ، فَفَيْئَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لَوْ قَدَرْت لَجَامَعْتُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُزِيلُ مَا حَصَلَ بِإِيلَائِهِ.
[فَصْلٌ الْمُظَاهِرُ لَا يُمْهِل وَيُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ]
(٦١٤٤) فَصْلٌ: وَالْإِحْرَامُ كَالْمَرَضِ فِي ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَكَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِهِ الِاعْتِكَافُ الْمَنْذُورُ وَالظِّهَارُ. وَذَكَر أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمُظَاهِرَ لَا يُمْهَلُ، وَيُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ. فَيُخَرَّجُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ عُذْرٍ مِنْ فِعْلِهِ يَمْنَعُهُ الْوَطْءَ لَا يُمْهَلُ مِنْ أَجْلِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِسَبَبِ مِنْهُ، فَلَا يُسْقِطُ حُكْمًا وَاجِبًا عَلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا لَا يُؤْمَرُ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْوَطْءِ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ. فَأَمَّا الْمُظَاهِرُ، فَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُكَفِّرَ وَتَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَ. فَإِنْ قَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَطْلُبَ رَقَبَةً، أَوْ أُطْعِمَ. فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّكْفِيرِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْمُدَافَعَةَ وَالتَّأْخِيرَ، لَمْ يُمْهَلْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ حَالٌ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا يُمْهَلُ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ.
وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ، أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ فَرْضُهُ الصِّيَامَ، فَطَلَبَ الْإِمْهَالَ لِيَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، لَمْ يُمْهَلْ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ فَيْئَةَ الْمَعْذُورِ، وَيُمْهَلَ حَتَّى يَصُومَ، كَقَوْلِنَا فِي الْمُحْرِمِ. فَإِنْ وَطِئَهَا فَقَدْ عَصَى، وَانْحَلَّ إيلَاؤُهُ. وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا التَّمْكِينُ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ سَقَطَ حَقُّهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ، وَقَدْ بَذَلَهُ لَهَا، وَمَتَى وَطِئَهَا فَقَدْ وَفَّاهَا حَقَّهَا، وَالتَّحْرِيمُ عَلَيْهِ دُونَهَا. وَلَنَا أَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ، فَلَا يَلْزَمُ التَّمْكِينُ مِنْهُ، كَالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَهَذَا يَنْقُضُ دَلِيلَهُمْ.
وَلَا نُسَلِّمُ كَوْنَ التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ دُونَهَا؛ فَإِنَّ الْوَطْءَ مَتَى حَرُمَ عَلَى أَحَدِهِمَا حَرُمَ عَلَى الْآخَرِ؛ لِكَوْنِهِ فِعْلًا وَاحِدًا، وَلَوْ جَازَ اخْتِصَاصُ أَحَدِهِمَا بِالتَّحْرِيمِ، لَاخْتَصَّتْ الْمَرْأَةُ بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَإِحْرَامِهَا وَصِيَامِهَا؛ لِاخْتِصَاصِهَا بِسَبَبِهِ.
[فَصْل انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاء وَهُوَ مَحْبُوسٌ بِحَقِّ يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ]
(٦١٤٥) فَصْلٌ: وَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ، طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute