للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي زَمَنِ إسْلَامِهِمَا]

(٥٤٣٥) فَصْلٌ: فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ، لَا يَخْلُو اخْتِلَافُهُمَا مِنْ حَالَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (٥٤٣٦) : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ يَقُولَ الزَّوْجُ: أَسْلَمْنَا مَعًا، فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ. وَتَقُولُ هِيَ: بَلْ أَسْلَمَ أَحَدُنَا قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ. فَقَالَ الْقَاضِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ؛ إذْ يَبْعُدُ اتِّفَاقُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ الظَّاهِرُ مَعَهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الْيَدِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا وَجْهًا آخَرَ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَالْفَسْخُ طَارِئٌ عَلَيْهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يُوَافِقُ قَوْلُهُ الْأَصْلَ كَالْمُنْكِرِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ

(٥٤٣٧) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّ يَقُولَ الزَّوْجُ: أَسْلَمْت قَبْلِي، فَلَا صَدَاقَ لَكَ. وَتَقُولُ هِيَ: أَسْلَمْت قَبْلِي، فَلِي نِصْفُ الصَّدَاقِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي مَا يُسْقِطُهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ فَبَقِيَ. فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَلَا يَعْلَمَانِ عَيْنَهُ، فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. كَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْ، فَلَا شَيْءَ؛ لَهَا لِأَنَّهَا تَشُكُّ فِي اسْتِحْقَاقِهَا، فَلَا تَسْتَحِقُّ بِالشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ، وَلَا يَرْجِعُ مَعَ الشَّكِّ

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ، وَكَذَلِكَ إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، وَهَذِهِ قَدْ كَانَ صَدَاقُهَا وَاجِبًا لَهَا، وَشَكَّا فِي سُقُوطِهِ، فَيَبْقَى عَلَى الْوُجُوبِ.

وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَفِيهِ أَيْضًا مَسْأَلَتَانِ؛ (٥٤٣٨) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنْ يَقُولَ: أَسْلَمْنَا مَعًا. أَوْ أَسْلَمَ الثَّانِي فِي الْعِدَّةِ، فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ. وَتَقُولَ هِيَ: بَلْ أَسْلَمَ الثَّانِي بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ. فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، الْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ. وَالثَّانِي، الْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إسْلَامِ الثَّانِي

(٥٤٣٩) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّ تَقُولَ: أَسْلَمْت قَبْلَكَ، فَلِي نَفَقَةُ الْعِدَّةِ. وَيَقُولَ هُوَ: أَسْلَمْت قَبْلَكَ فَلَا نَفَقَةَ لَك فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ. وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَهَا. وَإِنْ قَالَ: أَسْلَمْت بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِنْ إسْلَامِي، فَلَا نَفَقَةَ لَك فِيهِمَا. وَقَالَتْ: بَعْدَ شَهْرٍ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إسْلَامِهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي.

فَأَمَّا إنْ ادَّعَى هُوَ مَا يَفْسَخُ النِّكَاحَ، وَأَنْكَرَتْهُ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ، لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِزَوَالِ نِكَاحِهِ وَسُقُوطِ حَقِّهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، فَكَذَّبَتْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>