وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: فِيهِ قِيمَتُهُ. إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَافَقَ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ لِحُكْمِ الصَّحَابَةِ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. قُلْنَا: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحَمَامِ حَالَ الْإِحْرَامِ كَمَذْهَبِنَا، وَلِأَنَّهَا حَمَامَةٌ مَضْمُونَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَضُمِنَتْ بِشَاةٍ، كَحَمَامَةِ الْحَرَمِ، وَلِأَنَّهَا مَتَى كَانَتْ الشَّاةُ مِثْلًا لَهَا فِي الْحَرَمِ، فَكَذَلِكَ فِي الْحِلِّ، فَيَجِبُ ضَمَانُهَا بِهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] . وَقِيَاسُ الْحَمَامِ عَلَى الْحَمَامِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " وَمَا أَشْبَهَهَا ". يَعْنِي مَا يُشْبِهُ الْحَمَامَةَ، فِي أَنَّهُ يَعُبُّ الْمَاءَ، أَيْ يَضَعُ مِنْقَارَهُ فِيهِ، فَيَكْرَعُ كَمَا تَكْرَعُ الشَّاةُ، وَلَا يَأْخُذُ قَطْرَةً قَطْرَةً، كَالدَّجَاجِ، وَالْعَصَافِيرِ. وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا فِيهِ شَاةً لِشَبَهِهِ بِهَا فِي كَرْعِ الْمَاءِ مِثْلَهَا، وَلَا يَشْرَبُ مِثْلَ شُرْبِ بَقِيَّةِ الطُّيُورِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ وشندي: كُلُّ طَيْرٍ يَعُبُّ الْمَاءَ، يَشْرَبُ مِثْلَ الْحَمَامِ، فَفِيهِ شَاةٌ. فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْفَوَاخِتُ، وَالْوَرَاشِينُ، والسقايين وَالْقَمَرِيّ، وَالدُّبْسِيّ، وَالْقَطَّا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ حَمَامًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْكِسَائِيّ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُطَوَّقٍ حَمَامٌ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، الْحَجَلُ حَمَامٌ؛ لِأَنَّهُ مُطَوَّقٌ.
(٢٦٨٠) فَصْلٌ: وَمَا كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ، كَالْحُبَارَى، وَالْكُرْكِيِّ، وَالْكَرَوَانُ، وَالْحَجَلِ وَالْإِوَزِّ الْكَبِيرِ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، فِيهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَعَطَاءٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: فِي الْحَجَلَةِ وَالْقَطَاةِ وَالْحُبَارَى شَاةٌ شَاةٌ. وَزَادَ عَطَاءٌ: فِي الْكُرْكِيِّ والكروان وَابْنِ الْمَاءِ وَدَجَاجِ الْحَبَشِ وَالْحَرْب، شَاةٌ شَاةٌ. وَالْحَرْبُ: هُوَ فَرْخُ الْحُبَارَى. لِأَنَّ إيجَابَ الشَّاةِ فِي الْحَمَامِ تَنْبِيهٌ عَلَى إيجَابِهَا فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، فِيهِ قِيمَتُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي وُجُوبَهَا فِي جَمِيعِ الطَّيْرِ، تَرَكْنَاهُ فِي الْحَمَامِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَفِي غَيْرِهِ يُرْجَعُ إلَى الْأَصْلِ.
[مَسْأَلَة قَاتِلَ صَيْدِ الحرم مُخَيَّرٌ فِي الْجَزَاءِ]
(٢٦٨١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَهُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالنَّظِيرِ، أَوْ قَوَّمَ النَّظِيرَ بِدَرَاهِمَ، وَنَظَرَ كَمْ يَجِيءُ بِهِ طَعَامًا، فَأَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا، أَوْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، مُعْسِرًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ (٢٦٨٢) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، إنَّ قَاتِلَ الصَّيْدِ مُخَيَّرٌ فِي الْجَزَاءِ بِأَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، بِأَيِّهَا شَاءَ كَفَّرَ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ، أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيَجِبُ الْمِثْلُ أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّ هَدْيَ الْمُتْعَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ.
وَهَذَا أَوْكَدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، أَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِي الْكَفَّارَةِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ لِيَعْدِلَ الصِّيَامَ؛ لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِطْعَامِ قَدَرَ عَلَى الذَّبْحِ. هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي عِيَاضٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute