للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل مِنْ شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ]

(٣٧١٥) فَصْلٌ: وَمَنْ شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا وَلَا جُزَافًا، وَلَوْ شَاهَدَاهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَصِحُّ إذَا شَاهَدَاهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي قَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ رَبِّ الْمَالِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا فِي يَدَيْهِ، فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ مَجْهُولٌ، فَلَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُشَاهِدَاهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي بِكَمْ يَرْجِعُ عِنْد الْمُفَاصَلَةِ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْكِيسِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالسَّلَمِ، وَبِمَا إذَا لَمْ يُشَاهِدَاهُ.

[فَصْلٌ أَحْضَرَ كِيسَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مَعْلُومُ الْمِقْدَارِ وَقَالَ قَارِضَتك عَلَى أَحَدِهِمَا]

(٣٧١٦) فَصْلٌ: وَلَوْ أَحْضَرَ كِيسَيْنِ، فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مَعْلُومُ الْمِقْدَارِ، وَقَالَ: قَارَضْتُك عَلَى أَحَدِهِمَا. لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ تَسَاوَى مَا فِيهِمَا أَوْ اخْتَلَفَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ الْجَهَالَةُ، فَلَمْ يَجُزْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَالْبَيْعِ.

[مَسْأَلَةٌ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُولَ ضَارِبِ بِهَا]

(٣٧١٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ، جَازَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: ضَارِبْ بِهَا) وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْبِضَهَا مِنْهُ، قِيَاسًا عَلَى الدَّيْنِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْوَدِيعَةَ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ، فَجَازَ أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً. فَقَالَ: قَارَضْتُكَ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ. وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ. وَفَارَقَ الدَّيْنَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ عَيْنُ الْمَالِ مِلْكًا لِلْغَرِيمِ إلَّا بِقَبْضِهِ. وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ قَدْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ، وَصَارَتْ فِي الذِّمَّةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا.

[فَصْلٌ كَانَ لَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَالٌ مَغْصُوبٌ فَضَارَبَ الْغَاصِب بِهِ]

(٣٧١٨) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَالٌ مَغْصُوبٌ، فَضَارَبَ الْغَاصِبَ بِهِ، صَحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لِرَبِّ الْمَالِ، يُبَاحُ لَهُ بَيْعُهُ مِنْ غَاصِبِهِ، وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ. وَإِنْ تَلِفَ، وَصَارَ فِي الذِّمَّةِ، لَمْ تَجُزْ الْمُضَارَبَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا. وَمَتَى ضَارَبَهُ بِالْمَالِ الْمَغْصُوبِ، زَالَ ضَمَانُ الْغَصْبِ، بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَزُولُ ضَمَانُ الْغَصْبِ إلَّا بِدَفْعِهِ ثَمَنًا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَعَدَّى فِيهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ مُمْسِكٌ لِلْمَالِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ إيَّاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>