عَنْهَا لِلْمَشَقَّةِ وَقَدْ انْتَفَتْ الْحَاجَةُ فَتَنْتَفِي الطَّهَارَةُ. وَالثَّانِي هِيَ طَاهِرَةٌ. وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ طَاهِرَةً فِي الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتُ لَا يَقْتَضِي تَنْجِيسَهَا. فَتَبْقَى الطَّهَارَةُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّنَا لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَلْغَاهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُهُ فِي مَوْضِعٍ، فَلَيْسَ لَنَا إثْبَاتُ حُكْمِهِ بِالتَّحَكُّمِ.
[فَصْل الْخَرَز بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ]
(٩٦) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْخَرْزِ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ، فَرُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَتُهُ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادِ، وَإِسْحَاقَ، وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَيْنِ النَّجِسَةِ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ التَّنَجُّسِ بِهَا، فَحَرُمَ الِانْتِفَاعُ بِهَا، كَجِلْدِهِ. وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ الْخَرْزُ بِهِ. قَالَ: وَبِاللِّيفِ أَحَبُّ إلَيْنَا وَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ وَإِذَا خَرَزَ بِهِ شَيْئًا رَطْبًا، أَوْ كَانَتْ الشَّعْرَةُ رَطْبَةً نَجِسَ، وَلَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِالْغَسْلِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ النَّاسُ مِنْهُ، وَفِي تَكْلِيفِ غَسْلِهِ إتْلَافُ أَمْوَالِ النَّاسِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا عَنَى لَا بَأْسَ بِالْخَرْزِ، فَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْل أَطْعِمَة أَهْل الْكِتَاب وَآنِيَتهمْ وَثِيَابهمْ]
(٩٧) فَصْلٌ: وَالْمُشْرِكُونَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَهْلُ كِتَابٍ وَغَيْرُهُمْ. فَأَهْلُ الْكِتَابِ يُبَاحُ أَكْلُ طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ، وَالْأَكْلُ فِي آنِيَتِهِمْ، مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ نَجَاسَتُهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ أَوَانِيهِمْ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥] وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ، قَالَ: «دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَالْتَزَمْته، وَقُلْت: وَاَللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا. فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْتَسِمُ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ.
وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضَافَهُ يَهُودِيٌّ بِخُبْزٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ.» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي " الْمُسْنَدِ " وَكِتَابِ " الزُّهْدِ "، وَتَوَضَّأَ عُمَرُ مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ. وَهَلْ يُكْرَهُ لَهُ اسْتِعْمَالُ أَوَانِيهِمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَالثَّانِيَة يُكْرَهُ لِمَا رَوَى أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ، قَالَ: قُلْت «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute