للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ، فَهُمَا زَانِيَانِ» . وَلِأَنَّهُ إيلَاجُ فَرْجِ آدَمِيٍّ فِي فَرْجِ آدَمِيٍّ، لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، فَكَانَ زِنًى كَالْإِيلَاجِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ، إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ زِنًا دَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ فَاحِشَةٌ، فَكَانَ زِنًى، كَالْفَاحِشَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ بِتَحْرِيقِ اللُّوطِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِمَا رَوَى صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْعَرَبِ رَجُلًا يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَكَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصَّحَابَةَ فِيهِ، فَكَانَ عَلِيٌّ أَشَدَّهُمْ قَوْلًا فِيهِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا إلَّا أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهَا، أَرَى أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ. فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى خَالِدٍ بِذَلِكَ، فَحَرَقَهُ. وَقَالَ الْحَكَمُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْوَطْءِ، أَشْبَهَ غَيْرَ الْفَرْجِ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي لَفْظٍ: «فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ» . وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنَّهُ كَانَ يَرَى رَجْمَهُ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَذَّبَ قَوْمَ لُوطٍ بِالرَّجْمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَاقَبَ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ بِمِثْلِ عُقُوبَتِهِمْ. وَقَوْلُ مَنْ أَسْقُطَ الْحَدَّ عَنْهُ يُخَالِفُ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ، وَقِيَاسُ الْفَرْجِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ لَيْسَ بِمَحَلِّ لِوَطْءِ الذَّكَرِ، فَلَا يُؤَثِّرُ مِلْكُهُ لَهُ. وَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ فِي دُبُرِهَا، كَانَ مُحَرَّمًا، وَلَا حَدَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَحَلٌّ لِلْوَطْءِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى حِلِّهِ، فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً مَانِعَةً مِنْ الْحَدِّ، بِخِلَافِ التَّلَوُّطِ.

[فَصْلٌ تدالكت امْرَأَتَانِ]

(٧١٦٩) فَصْلٌ: وَإِنْ تَدَالَكَتْ امْرَأَتَانِ، فَهُمَا زَانِيَتَانِ مَلْعُونَتَانِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، فَهُمَا زَانِيَتَانِ:» . وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إيلَاجًا، فَأَشْبَهَ الْمُبَاشَرَةَ دُونَ الْفَرْجِ، وَعَلَيْهِمَا التَّعْزِيرُ لِأَنَّهُ زِنًى لَا حَدَّ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مُبَاشَرَةَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ. وَلَوْ بَاشَرَ الرَّجُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>