وَأَبُو الْمُعْتَمِرِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِحَمْلِ الْعِلْمِ.
ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ إجْمَاعًا؛ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَتَاعَ لِصَاحِبِهِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُشْتَرِي، مِنْ غَيْرِ شَرْطِ فَلَسِهِ، وَلَا تَعَذُّرِ وَفَائِهِ، وَلَا عَدَمِ قَبْضِ ثَمَنِهِ، وَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ خَلَّفَ وَفَاءً. وَهَذَا شُذُوذٌ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَخِلَافٌ لِلسُّنَّةِ لَا يَعْرُجُ عَلَى مِثْلِهِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ، فَنَقُولُ بِهِ، وَإِنَّ صَاحِبَ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِهِ إذَا وَجَدَهُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ، وَمَا وَجَدَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا عِنْدَهُ، إنَّمَا وَجَدَهُ عِنْدَ وَرَثَتِهِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْخَبَرُ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ فِيهِ، ثُمَّ هُوَ مُطْلَقٌ وَحَدِيثُنَا يُقَيِّدُهُ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ.
وَتُفَارِقُ حَالَةُ الْحَيَاةِ حَالَ الْمَوْتِ لِأَمْرَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا، أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْحَيَاةِ لِلْمُفْلِسِ، وَهَا هُنَا لِغَيْرِهِ. وَالثَّانِي، أَنَّ ذِمَّةَ الْمُفْلِسِ خَرِبَتْ هَاهُنَا خَرَابًا لَا يَعُودُ، فَاخْتِصَاصُ هَذَا بِالْعَيْنِ يَسْتَضِرُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ كَثِيرًا، بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيَاةِ.
[مَسْأَلَةٌ أَرَادَ سَفَرًا وَعَلَيْهِ حَقٌّ يُسْتَحَقُّ قَبْلَ مُدَّةِ سَفَرِهِ]
(٣٤٦٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَرَادَ سَفَرًا وَعَلَيْهِ حَقٌّ يُسْتَحَقُّ قَبْلَ مُدَّةِ سَفَرِهِ فَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مَنْعُهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ، وَأَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ مَحَلُّ الدَّيْنِ قَبْلَ مَحَلِّ قُدُومِهِ مِنْ السَّفَرِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ إلَى الْحَجِّ لَا يَقْدَمُ إلَّا فِي صَفَرٍ، وَدَيْنُهُ يَحِلُّ فِي الْمُحَرَّمِ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْ مَحَلِّهِ.
فَإِنْ أَقَامَ ضَمِينًا مَلِيئًا، أَوْ دَفَعَ رَهْنًا يَفِي بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْمَحَلِّ، فَلَهُ السَّفَرُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَزُولُ بِذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ مَحَلِّ السَّفَرِ، مِثْل أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي رَبِيعٍ، وَقُدُومُهُ فِي صَفَرٍ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ إلَى الْجِهَادِ، فَلَهُ مَنْعُهُ إلَّا بِضَمِينٍ أَوْ رَهْنٍ؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ يَتَعَرَّضُ فِيهِ لِلشَّهَادَةِ، وَذَهَابِ النَّفْسِ، فَلَا يَأْمَنُ فَوَاتَ الْحَقِّ.
وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ لِغَيْرِ الْجِهَادِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ لَيْسَ بِأَمَارَةٍ عَلَى مَنْعِ الْحَقِّ فِي مَحَلِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ، كَالسَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَكَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ، وَلَا الْمُطَالَبَةُ بِكَفِيلٍ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا بِحَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ قَبْلَ مَحَلِّ سَفَرِهِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ إلَى الْجِهَادِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالدَّيْنِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْ السَّفَرِ، وَلَا الْمُطَالَبَةَ بِكَفِيلٍ، كَالسَّفَرِ الْآمِنِ الْقَصِيرِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ سَفَرٌ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ فِي مَحَلِّهِ، فَمَلَكَ مَنْعَهُ مِنْهُ، إنْ لَمْ يُوَثِّقْهُ بِكَفِيلٍ، أَوْ رَهْنٍ، كَالسَّفَرِ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَأْخِيرَ الدَّيْنِ عَنْ مَحَلِّهِ، وَفِي السَّفَرِ الْمُخْتَلِفِ فِيهِ تَأْخِيرُهُ عَنْ مَحَلِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَجَحْدِهِ.