للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ]

(٨٦٨٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ، بَطَلَ تَدْبِيرُهُ) . إنَّمَا يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ بِقَتْلِهِ سَيِّدَهُ لِمَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَصَدَ اسْتِعْجَالَ الْعِتْقِ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ، فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَهُوَ إبْطَالُ التَّدْبِيرِ، كَمَنْعِ الْمِيرَاثِ بِقَتْلِ الْمَوْرُوثِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ فَائِدَةٌ تَحْصُلُ بِالْمَوْتِ، فَتَنْتَفِي بِالْقَتْلِ، كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ. وَالثَّانِي، أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَتَبْطُلُ بِالْقَتْلِ، كَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِكَوْنِهِ آكَدَ، فَإِنَّهَا صَارَتْ بِالِاسْتِيلَادِ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا بِحَالٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، وَلَا هِبَتُهَا، وَلَا رَهْنُهَا، وَلَا الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ، وَلَا غَيْرِهِ، وَالْإِرْثُ نَوْعٌ مِنْ النَّقْلِ، فَلَوْ لَمْ تَعْتِقْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا لَانْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهَا إلَى الْوَارِثِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَلِأَنَّ سَبَبَ حُرِّيَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ الْفِعْلُ وَالْبَعْضِيَّةُ الَّتِي حَصَلَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَيِّدِهَا بِوَاسِطَةِ وَلَدِهَا، وَهَذَا آكَدُ مِنْ الْقَوْلِ، وَلِهَذَا انْعَقَدَ اسْتِيلَادُ الْمَجْنُونِ، وَلَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُ وَلَا تَدْبِيرُهُ، وَسَرَى حُكْمُ اسْتِيلَادِ الْمُعْسِرِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ، وَعَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالتَّدْبِيرُ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الثُّلُثِ، وَلَا يَمْلِكُ الْغُرَمَاءُ إبْطَالَ عِتْقِهَا وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهَا مُفْلِسًا، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعٍ، تَأَكُّدُ الْحُكْمِ فِيمَا دُونَهُ، كَمَا لَمْ يَلْزَمْ إلْحَاقُهُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي افْتَرَقَا فِيهَا.

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَتْلِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ فِي حِرْمَانِ الْإِرْثِ، وَإِبْطَالِ وَصِيَّةِ الْقَاتِلِ.

[فَصْلٌ كَانَتْ جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ مُوجِبَةً لِلْمَالِ أَوْ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ فَعَفَا الْوَلِيُّ إلَى مَالٍ]

(٨٦٩٠) فَصْلٌ: فَأَمَّا سَائِرُ جِنَايَاتِهِ، غَيْرُ قَتْلِ سَيِّدِهِ، فَلَا تُبْطِلُ تَدْبِيرَهُ، لَكِنْ إنْ كَانَتْ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ، أَوْ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ، فَعَفَا الْوَلِيُّ إلَى مَالٍ، تَعَلَّقَ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ، فَمَنْ جَوَّزَ بَيْعَهُ، جَعَلَ سَيِّدَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ فَيُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ، وَبَيْنَ فِدَائِهِ، فَإِنْ سَلَّمَهُ فِي الْجِنَايَةِ فَبِيعَ فِيهَا، بَطَلَ تَدْبِيرُهُ، وَإِنْ عَادَ إلَى سَيِّدِهِ، عَادَ تَدْبِيرُهُ، وَإِنْ اخْتَارَ فِدَاءَهُ، وَفَدَاهُ بِمَا يُفْدَى بِهِ الْعَبْدُ، فَهُوَ مُدَبَّرٌ بِحَالِهِ. وَمَنْ لَمْ يُجِزْ بَيْعَهُ، عَيَّنَ فِدَاءَهُ عَلَى سَيِّدِهِ، كَأُمِّ الْوَلَدِ.

وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ، فَاقْتُصَّ مِنْهُ فِي النَّفْسِ، بَطَلَ تَدْبِيرُهُ، وَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي الطَّرَفِ، فَهُوَ مُدَبَّرٌ بِحَالِهِ. وَإِذَا مَاتَ سَيِّدُهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ، وَقَبْلَ اسْتِيفَائِهَا، عَتَقَ، عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ أَوْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْعِتْقِ وُجِدَتْ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ بِهِ. فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ قِصَاصًا، اُسْتُوْفِيَ، سَوَاءٌ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ اسْتَقَرَّ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ فِي حَالِ رِقِّهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِحُدُوثِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مَالًا فِي رَقَبَتِهِ، فُدِيَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ؛ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ.

وَإِنْ جُنِيَ عَلَى الْمُدَبَّرِ، فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لِسَيِّدِهِ؛ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ، وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ بِهَلَاكِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>