إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ عِدَّةَ الزَّانِيَةِ كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ لَحُرَّةٍ، فَأَشْبَهَ عِدَّةَ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ. وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى، أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نِكَاحٍ وَلَا شُبْهَةِ نِكَاحٍ، فَأَشْبَهَ اسْتِبْرَاءَ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا عَتَقَتْ. وَأَمَّا التَّوْبَةُ، فَهِيَ الِاسْتِغْفَارُ وَالنَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ، كَالتَّوْبَةِ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: كَيْف تُعْرَفُ تَوْبَتُهَا؟ قَالَ: يُرِيدُهَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَلَمْ تَتُبْ، وَإِنْ أَبَتْ فَقَدْ تَابَتْ. فَصَارَ أَحْمَدُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ اتِّبَاعًا لَهُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَمُسْلِمٍ أَنْ يَدْعُوَ امْرَأَةً إلَى الزِّنَى، وَيَطْلُبَهُ مِنْهَا. وَلِأَنَّ طَلَبَهُ ذَلِكَ مِنْهَا إنَّمَا يَكُونُ فِي خَلْوَةٍ، وَلَا تَحِلُّ الْخَلْوَةُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَلَوْ كَانَ فِي تَعْلِيمِهَا الْقُرْآنَ، فَكَيْفَ يَحِلُّ فِي مُرَاوَدَتِهَا عَلَى الزِّنَى، ثُمَّ لَا يَأْمَنُ إنْ أَجَابَتْهُ إلَى ذَلِكَ أَنْ تَعُودَ إلَى الْمَعْصِيَةِ، فَلَا يَحِلُّ لِلتَّعَرُّضِ لِمِثْلِ هَذَا، وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ، وَفِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ، عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ هَذَا.
[إذَا زَنَتْ الْأُمَّة حَلَّ نِكَاحُهَا لِلزَّانِي وَغَيْرِهِ]
(٥٤١٠) فَصْلٌ: وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطَانِ حَلَّ نِكَاحُهَا لِلزَّانِي وَغَيْرِهِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَابْنُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَطَاوُسٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَعَائِشَةَ، أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي بِحَالٍ، قَالُوا: لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ مَا اجْتَمَعَا؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ مَا كَانَ قَبْلَ التَّوْبَةِ، أَوْ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، فَيَكُونُ كَقَوْلِنَا. فَأَمَّا تَحْرِيمُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] . وَلِأَنَّهَا مُحَلَّلَةٌ لِغَيْرِ الزَّانِي، فَحَلَّتْ لَهُ، كَغَيْرِهَا.
[فَصْلٌ إنْ زَنَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ أَوْ زَنَى زَوْجُهَا لَمْ يَنْفَسِخ النِّكَاحُ]
(٥٤١١) فَصْلٌ: وَإِنْ زَنَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ، أَوْ زَنَى زَوْجُهَا، لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا زَنَتْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ زَنَى قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا.
وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا وَلَاعَنَهَا بَانَتْ مِنْهُ؛ لِتَحْقِيقِهِ الزِّنَى عَلَيْهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الزِّنَى يُبِينُهَا. وَلَنَا، أَنَّ دَعْوَاهُ الزِّنَى عَلَيْهَا لَا يُبِينُهَا، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ يَنْفَسِخُ بِهِ لَانْفَسَخَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، كَالرَّضَاعِ، وَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَأَشْبَهَتْ السَّرِقَةَ، فَأَمَّا اللِّعَانُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْفَسْخَ بِدُونِ الزِّنَى، بِدَلِيلِ أَنَّهَا إذَا لَاعَنَتْهُ فَقَدْ قَابَلَتْهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute