وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ، وَحُرِّمَ عَلَيْهَا النِّكَاحُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلِأَنَّهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيَكُونَ نِكَاحُهَا بَاطِلًا، فَلَمْ يَصِحَّ، كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الصَّغِيرِ. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْحَامِلِ، فَغَيْرُهَا أَوْلَى، لِأَنَّ وَطْءَ الْحَامِلِ لَا يُفْضِي إلَى اشْتِبَاهِ النَّسَبِ، وَغَيْرُهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا مِنْ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّانِي، فَيُفْضِي إلَى اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، فَكَانَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي الْقُبُلِ، فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ، كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ وَطْءَ الصَّغِيرِ الَّذِي يُمْكِنُ مِنْهُ الْوَطْءُ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ تَتُوبَ مِنْ الزِّنَا، وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ رَجُلًا وَامْرَأَةً فِي الزِّنَى، وَحَرَصَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَأَبَى الرَّجُلُ. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ، فَقَالَ: يَجُوزُ، أَرَأَيْت لَوْ سَرَقَ مِنْ كَرْمٍ، ثُمَّ ابْتَاعَهُ، أَكَانَ يَجُوزُ؟ . وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: ٣] /إلَى قَوْلِهِ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣] .
وَهِيَ قَبْلَ التَّوْبَةِ فِي حُكْمِ الزِّنَى، فَإِذَا تَابَتْ زَالَ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» . وَقَوْلِهِ «التَّوْبَةُ تَمْحُو الْحَوْبَةَ» . وَرُوِيَ «أَنَّ مَرْثَدًا دَخَلَ مَكَّةَ، فَرَأَى امْرَأَةً فَاجِرَةً يُقَال لَهَا عَنَاقٌ، فَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا، فَلَمْ يُجِبْهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: أَنْكِحُ عَنَاقًا؟ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: ٣] . فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَلَا عَلَيْهِ الْآيَةَ، وَقَالَ: لَا تَنْكِحْهَا» .
وَلِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُقِيمَةً عَلَى الزِّنَا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ تُلْحِقَ بِهِ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِ، وَتُفْسِدَ فِرَاشَهُ. فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَتَابَهَا. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ، وَلَا تَعَرُّضَ لَهُ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute