عَلَيْهَا أَحْوَالٌ، فَعَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ. وَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَالْوَاجِبُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ عَيْنِهَا، فَيَجِبُ أَنْ لَا تَنْقُصَ زَكَاتُهَا أَيْضًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا. قُلْنَا: إذَا أَدَّى عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَكْبَرَ مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، جَازَ فَقَدْ أَمْكَنَ تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا، لِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ مِنْهَا، بِخِلَافِ عِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، فَافْتَرَقَا.
[فَصْلُ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِحُلُولِ الْحَوْلِ سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ]
(١٨١٣) فَصْلٌ: الْحُكْمُ الثَّانِي، أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِحُلُولِ الْحَوْلِ، سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ فِي الْآخَرِ: التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَدَاءِ شَرْطٌ، فَيُشْتَرَطُ لِلْوُجُوبِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْحَوْلُ، وَالنِّصَابُ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْأَدَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ الْمَاشِيَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، فَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا إمْكَانُ أَدَائِهَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» . فَمَفْهُومُهُ، وُجُوبُهَا عَلَيْهِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْأَدَاءِ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْحَوْلَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ وُجُوبُ فَرْضَيْنِ فِي نِصَابٍ وَاحِدٍ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَقِيَاسُهُمْ يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّنَا نَقُولُ: هَذِهِ عِبَادَةٌ، فَلَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا إمْكَانُ أَدَائِهَا، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ أَدَائِهِ، وَالصَّلَاةُ تَجِبُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ، وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ جُزْءًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ، وَالْحَجُّ يَجِبُ عَلَى مِنْ أَيْسَرَ فِي وَقْتٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَجِّ فِيهِ، أَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ مَانِعٌ.
ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، أَنَّ تِلْكَ عِبَادَاتٌ بَدَنِيَّةٌ، يُكَلَّفُ فِعْلَهَا بِبَدَنِهِ، فَأَسْقَطَهَا تَعَذُّرُ فِعْلِهَا، وَهَذِهِ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ، يُمْكِنُ ثُبُوتُ الشَّرِكَةِ لِلْمَسَاكِينِ فِي مَالِهِ وَالْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ، كَثُبُوتِ الدُّيُونِ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ وَتَعَلُّقِهَا بِمَالِهِ بِجِنَايَتِهِ.
[فَصْلُ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ]
(١٨١٤) فَصْلٌ: الثَّالِثُ، أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ، فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ. هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَحَكَى عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ النِّصَابُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ، سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهُ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَهُ، لَمْ تَسْقُطْ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ، وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، إلَّا فِي الْمَاشِيَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى يَجِيءَ الْمُصَدِّقُ، فَإِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ مَجِيئِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute