للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَمْلِكُ الْإِنْكَارَ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ الْمُوَكِّلَ مِنْ الْإِقْرَارِ، فَلَوْ مَلَكَ الْإِقْرَارَ، لَامْتَنَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْإِنْكَارُ، فَافْتَرَقَا، وَلَا يَمْلِكُ الْمُصَالَحَةَ عَنْ الْحَقِّ، وَلَا الْإِبْرَاءَ مِنْهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْخُصُومَةِ لَا يَقْتَضِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي تَثْبِيتِ حَقٍّ، لَمْ يَمْلِكْ قَبْضَهُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَمْلِكُ قَبْضَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّثْبِيتِ قَبْضُهُ وَتَحْصِيلُهُ. وَلَنَا، أَنَّ الْقَبْضَ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا، إذْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَرْضَاهُ لِتَثْبِيتِ الْحَقِّ يَرْضَاهُ لِقَبْضِهِ. وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ حَقٍّ، فَجَحَدَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، كَانَ وَكِيلًا فِي تَثْبِيتِهِ عَلَيْهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَالْآخَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَالْوَكِيلُ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْآخَرِ، كَمَا لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ بِالتَّوْكِيلِ فِي الْخُصُومَةِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْقَبْضِ إلَّا بِالتَّثْبِيتِ؛ فَكَانَ إذْنًا فِيهِ عُرْفًا، وَلِأَنَّ الْقَبْضَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، فَمَلَكَهُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مَلَكَ وَزْنَ ثَمَنِهِ، أَوْ فِي بَيْعِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيمَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَالِمًا بِجَحْدِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ أَوْ مَطْلِهِ، كَانَ تَوْكِيلًا فِي تَثْبِيتِهِ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ، لِعِلْمِهِ بِوُقُوفِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ تَوْكِيلًا فِيهِ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِتَوَقُّفِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَقِّ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ عَيْنٍ لَمْ يَمْلِكْ تَثْبِيتَهَا؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي نَقْلِهَا، أَشْبَهَ الْوَكِيلَ فِي نَقْلِ الزَّوْجَةِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي قَبْضِ حَقٍّ، فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالتَّوْكِيلِ فِي قَبْضِ الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ وَكِيلٌ فِي قَبْضِهِ وَنَقْلِهِ إلَيْهِ.

[فَصْلٌ وَكَّلَ فِي بَيْعِ شَيْءٍ]

(٣٧٥٤) فَصْلٌ: وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ، مَلَكَ تَسْلِيمَهُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ التَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ، لِكَوْنِهِ مِنْ تَمَامِهِ، وَلَمْ يَمْلِكْ الْإِبْرَاءَ مِنْ ثَمَنِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَمْلِكُهُ. وَلَنَا، أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْعِ، وَلَا مِنْ تَتِمَّتِهِ، فَلَا يَكُونُ التَّوْكِيلُ فِي الْبَيْعِ تَوْكِيلًا فِيهِ، كَالْإِبْرَاءِ مِنْ غَيْرِ ثَمَنِهِ.

وَأَمَّا قَبْضُ الثَّمَنِ، فَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُمْكِنُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوَكِّلُ فِي الْبَيْعِ مَنْ لَا يَأْمَنُهُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ. فَعَلَى هَذَا إنْ تَعَذَّرَ قَبْضُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي، لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ شَيْءٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ قَبْضَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُوجِبِ الْبَيْعِ، فَمَلَكَهُ الْوَكِيلُ فِيهِ، كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ. فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إلَّا بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ حُضُورِهِ. وَإِنْ سَلَّمَهُ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ ضَمِنَهُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ، فَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةُ الْحَالِ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، مِثْلُ تَوْكِيلِهِ فِي بَيْعِ ثَوْبٍ فِي سُوقٍ غَائِبٍ عَنْ الْمُوَكِّلِ، أَوْ مَوْضِعٍ يَضِيعُ الثَّمَنُ بِتَرْكِ قَبْضِ الْوَكِيلِ لَهُ، كَانَ إذْنًا فِي قَبْضِهِ.

وَمَتَى تَرَكَ قَبْضَهُ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>