للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ أَصَمَّ أَعْمَى صَحَّتْ إمَامَتُهُ لِذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَهَا لَا يُمْكِنُ تَنْبِيهُهُ بِتَسْبِيحٍ وَلَا إشَارَةٍ، وَالْأَوْلَى صِحَّتُهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ احْتِمَالُ عَارِضٍ لَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ، كَالْمَجْنُونِ حَالَ إفَاقَتِهِ.

[فَصْلٌ إمَامَةُ أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ]

(١١٣٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا أَقْطَعُ الْيَدَيْنِ، فَقَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا. وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ إمَامَتُهُ. اخْتَارَهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ عَجْزٌ لَا يُخِلُّ بِرُكْنٍ فِي الصَّلَاةِ. فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ إمَامَتِهِ، كَأَقْطَعِ أَحَدِ الرِّجْلَيْنِ وَالْأَنْفِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالسُّجُودِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، أَشْبَهَ الْعَاجِزَ عَنْ السُّجُودِ عَلَى جَبْهَتِهِ. وَحُكْمُ أَقْطَعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ كَالْحُكْمِ فِي قَطْعِهِمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا أَقْطَعُ الرِّجْلَيْنِ فَلَا يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْيُوسٌ مِنْ قِيَامِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ إمَامَتُهُ كَالزَّمِنِ. وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ، وَيُمْكِنُهُ الْقِيَامُ، صَحَّتْ إمَامَتُهُ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ أَنْ لَا تَصِحَّ إمَامَتُهُ؛ لِإِخْلَالِهِ بِالسُّجُودِ عَلَى عُضْوٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى الْبَاقِي مِنْ رِجْلِهِ أَوْ حَائِلِهَا.

[مَسْأَلَةٌ أَمَّ أُمِّيٌّ أُمِّيًّا وَقَارِئًا]

(١١٣٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ) (أَمَّ أُمِّيٌّ أُمِّيًّا وَقَارِئًا) (أَعَادَ الْقَارِئُ وَحْدَهُ) .

الْأُمِّيُّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا، أَوْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ غَيْرَهَا، فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يُحْسِنُهَا أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ، وَيَصِحُّ لِمِثْلِهِ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ، وَلِذَلِكَ خَصَّ الْخِرَقِيِّ الْقَارِئَ بِالْإِعَادَةِ فِيمَا إذَا أَمَّ أُمِّيًّا وَقَارِئًا. وَقَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَارِئَ مَعَ جَمَاعَةٍ أُمِّيِّينَ حَتَّى إذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَارِئِ بَقِيَ خَلْفَ الْإِمَامِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا. فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أُمِّيٌّ وَاحِدٌ، وَكَانَا خَلْفَ الْإِمَامِ أَعَادَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ صَارَ فَذًّا.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِرَقِيِّ إنَّمَا قَصَدَ بَيَانَ مَنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالِائْتِمَامِ بِالْأُمِّيِّ، وَهَذَا يَخُصُّ الْقَارِئَ دُونَ الْأُمِّيِّ، وَيَجُوزُ أَنْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْأُمِّيِّ؛ لِكَوْنِهِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، أَوْ كَوْنِهِمَا جَمِيعًا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ مَعَهُمْ أُمِّيٌّ آخَرُ، وَإِنْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِكَوْنِهِ فَذًّا، فَمَا فَسَدَتْ لِائْتِمَامِهِ بِمِثْلِهِ، إنَّمَا فَسَدَتْ لِمَعْنًى آخَرَ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ. وَقِيلَ عَنْهُ: يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ الْقَارِئُ بِالْأُمِّيِّ فِي صَلَاةِ الْإِسْرَارِ دُونَ صَلَاةِ الْجَهْرِ. وَقِيلَ عَنْهُ: يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رُكْنٍ، فَجَازَ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ الِائْتِمَامُ بِهِ، كَالْقَاعِدِ بِالْقَائِمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ مَعَهُ الْقَارِئُ لَزِمَتْهُ الْقِرَاءَةُ عَنْهُ، لِكَوْنِ الْإِمَامِ يَتَحَمَّلُ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ، فَعَجَزَ عَنْهَا، فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ.

وَلَنَا عَلَى الْأَوَّلِ، أَنَّهُ ائْتَمَّ بِعَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ سِوَى الْقِيَامِ يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ، فَلَمْ تَصِحَّ، كَالْمُؤْتَمِّ بِالْعَاجِزِ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ، وَهَذَا عَاجِزٌ عَنْ التَّحَمُّلِ لِلْقِرَاءَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>