الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ، فَلَمْ يَصِحَّ لَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِالْأَخْرَسِ وَالْعَاجِزِ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلتَّحَمُّلِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. وَلَنَا عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، أَنَّهُ أَمَّ مَنْ لَا يَصِحُّ لَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ، فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ أَمَّتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا وَنِسَاءً. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَلْزَمُ الْقِرَاءَةُ عَنْ الْقَارِئِ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ نَفْسِهِ، فَعَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى.
وَإِنْ أَمَّ الْأُمِّيُّ قَارِئًا وَاحِدًا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ نَوَى الْإِمَامَةَ وَقَدْ صَارَ فَذًّا. (١١٣٥) فَصْلٌ: وَإِنْ صَلَّى الْقَارِئُ خَلْفَ مَنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فِي صَلَاةِ الْإِسْرَارِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ إلَّا مَنْ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَلَمْ يَتَخَرَّمْ الظَّاهِرُ، فَإِنَّهُ أَسَرَّ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ، وَإِنْ كَانَ يُسِرُّ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْقَارِئِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَحْسَنَ الْقِرَاءَةَ لَجَهَرَ.
وَالثَّانِي: تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّ النَّاسَ إلَّا مَنْ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَإِسْرَارُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نِسْيَانًا، أَوْ لِجَهْلِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ أَكْثَرَ مِنْ الْفَاتِحَةِ، فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالِاحْتِمَالِ. فَإِنْ قَالَ: قَدْ قَرَأْتُ فِي الْإِسْرَارِ. صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهُ. وَيُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا، وَلَوْ أَسَرَّ فِي صَلَاةِ الْإِسْرَارِ، ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْت قَرَأْت الْفَاتِحَةَ. لَزِمَهُ وَمَنْ وَرَاءَهُ الْإِعَادَةُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ، أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: أَمَّا سَمِعْتُمُونِي قَرَأْتُ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمَا قَرَأْتُ فِي نَفْسِي. فَأَعَادَ بِهِمْ الصَّلَاةَ.
(١١٣٦) فَصْلٌ: وَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ؛ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ، كَالْأَلْثَغِ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّاءَ غَيْنًا، وَالْأَرَتِّ الَّذِي يُدْغِمُ حَرْفًا فِي حَرْفٍ، أَوْ يَلْحَنُ لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى، كَاَلَّذِي يَكْسِرُ الْكَافَ مِنْ إيَّاكَ، أَوْ يَضُمُّ التَّاءَ مِنْ أَنْعَمْتَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِهِ، فَهُوَ كَالْأُمِّيِّ، لَا يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ قَارِئٌ. وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَؤُمَّ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُمَا أُمِّيَّانِ، فَجَازَ لِأَحَدِهِمَا الِائْتِمَامُ بِالْآخَرِ، كَاَللَّذَيْنِ لَا يُحْسِنَانِ شَيْئًا. وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَلَا صَلَاةُ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ. (١١٣٧) فَصْلٌ: إذَا كَانَ رَجُلَانِ لَا يُحْسِنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْفَاتِحَةَ، وَأَحَدُهُمَا يُحْسِنُ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا، وَالْآخَرُ لَا يُحْسِنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute