[مَسْأَلَةٌ مَنَعَ امْرَأَتَهُ النَّفَقَةَ لِعُسْرَتِهِ]
(٦٤٧٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا مَنَعَهَا، وَلَمْ تَجِدْ مَا تَأْخُذُهُ، وَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَنَعَ امْرَأَتَهُ النَّفَقَةَ، لِعُسْرَتِهِ، وَعَدَمِ مَا يُنْفِقُهُ، فَالْمَرْأَةُ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ فِرَاقِهِ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَعُمَرُ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَرَبِيعَةُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَذَهَبَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ، إلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ فِرَاقَهُ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ يَدَهُ عَنْهَا لِتَكْتَسِبَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ، فَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، كَالدَّيْنِ. وَقَالَ الْعَنْبَرِيُّ: يُحْبَسُ إلَى أَنْ يُنْفِقَ وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] . وَلَيْسَ الْإِمْسَاكُ مَعَ تَرْكِ الْإِنْفَاقِ إمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ، فَيَتَعَيَّنُ التَّسْرِيحُ.
وَرَوَى سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: سُنَّةٌ؟ قَالَ: سُنَّةٌ. وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى. وَلِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْفَسْخُ بِالْعَجْزِ عَنْ الْوَطْءِ، وَالضَّرَرُ فِيهِ، أَقَلُّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ فَقْدُ لَذَّةٍ وَشَهْوَةٍ يَقُومُ الْبَدَنُ بِدُونِهِ، فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ الَّتِي لَا يَقُومُ الْبَدَنُ إلَّا بِهَا أَوْلَى. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ مَتَى ثَبَتَ الْإِعْسَارُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلِلْمَرْأَةِ الْمُطَالَبَةُ بِالْفَسْخِ، مِنْ غَيْرِ إنْظَارٍ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يُؤَجَّلُ سَنَةً قِيَاسًا عَلَى الْعِنِّينِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: اضْرِبُوا لَهُ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: يُؤَجَّلُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ. وَلَنَا، ظَاهِرُ حَدِيثِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ مَعْنَى يُثْبِتُ الْفَسْخَ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالْإِنْظَارِ فِيهِ، فَوَجَبَ، أَنْ يَثْبُتَ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ، كَالْعَيْبِ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ الْإِعْسَارُ، وَقَدْ وُجِدَ، فَلَا يَلْزَمُ التَّأْخِيرُ.
[فَصْلٌ لَمْ تَجِدْ الزَّوْجَةُ النَّفَقَةَ إلَّا يَوْمًا بِيَوْمٍ]
(٦٤٧٣) فَصْلٌ: وَإِنْ لَمْ يَجِدْ النَّفَقَةَ إلَّا يَوْمًا بِيَوْمٍ، فَلَيْسَ ذَلِكَ إعْسَارًا يَثْبُتُ بِهِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَإِنْ وَجَدَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مَا يُغَدِّيهَا، وَفِي آخِرِهِ مَا يُعَشِّيهَا، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهَا تَصِلُ إلَى كِفَايَتِهَا، وَمَا يَقُومُ بِهِ بَدَنُهَا. وَإِنْ كَانَ صَانِعًا يَعْمَلُ فِي الْأُسْبُوعِ مَا يَبِيعُهُ فِي يَوْمٍ بِقَدْرِ كِفَايَتهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute