أَوْ غَيْرَ مُوحِيَةٍ. هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَطَاءٍ، وَرَبِيعَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ يَقُولُونَ: إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ مُوحِيَةً، مِثْلُ أَنْ ذَبَحَهُ أَوْ أَبَانَ حَشْوَتَهُ، لَمْ يَضُرَّ وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ وَلَا تَرَدِّيه.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ بِالذَّبْحِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا أَصَابَهُ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، قَوْلُهُ: " وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ ". وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى خُرُوجِ رُوحِهِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ غَيْرَ مُوحِيَةٍ، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ غَيْرَ مُوحِيَةٍ. وَلَوْ وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِي الْمَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتُلُهُ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ خَارِجًا مِنْ الْمَاءِ، أَوْ يَكُونَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَقْتُلُهُ الْمَاءُ، أَوْ كَانَ التَّرَدِّي لَا يَقْتُلُ مِثْلَ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ، فَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " فَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ " وَلِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي الْمَاءِ وَالتَّرَدِّي إنَّمَا حُرِّمَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا أَوْ مُعِينًا عَلَى الْقَتْلِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ رَمَى طَائِرًا فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ جَبَلٍ فَوَقَعَ إلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ]
(٧٧٢٣) فَصْلٌ: فَإِنْ رَمَى طَائِرًا فِي الْهَوَاءِ، أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ، أَوْ جَبَلٍ، فَوَقَعَ إلَى الْأَرْضِ، فَمَاتَ، حَلَّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ مُوحِيَةً، أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ سُقُوطِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: ٣] . وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْحَاظِرُ، فَغُلِّبَ الْحَظْرُ، كَمَا لَوْ غَرِقَ.
وَلَنَا، أَنَّهُ صَيْدٌ سَقَطَ بِالْإِصَابَةِ سُقُوطًا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازِ عَنْ سُقُوطِهِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ، كَمَا لَوْ أَصَابَ الصَّيْدَ فَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ. وَيُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ، فَإِنَّ الْمَاءَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَهُوَ قَاتِلٌ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ.
[مَسْأَلَةٌ رَمَى صَيْدًا فَقَتَلَ جَمَاعَةً]
(٧٧٢٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا، فَقَتَلَ جَمَاعَةً، فَكُلُّهُ حَلَالٌ) قَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فِيمَا إذَا رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ.
[فَصْلٌ لَا بَأْسَ بِصَيْدِ اللَّيْلِ]
(٧٧٢٥) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِصَيْدِ اللَّيْلِ. فَقِيلَ لَهُ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى وُكُنَاتِهَا» . فَقَالَ: هَذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُرِيدُ الْأَمْرَ، فَيُثِيرُ الطَّيْرَ حَتَّى يَتَفَاءَلَ، إنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ كَذَا، وَإِنْ جَاءَ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ كَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى وُكُنَاتِهَا» .
وَرُوِيَ لَهُ عَنْ ابْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute