وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ، فَعَنْهُ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الذَّكَرِ الْجِمَاعُ، وَهُوَ بَاقٍ فِيهِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا تَجِبُ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَقَتَادَةَ وَإِسْحَاقَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَحْصِيلُ النَّسْلِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمْ تَكْمُلْ دِيَتُهُ، كَالْأَشَلِّ، وَالْجِمَاعُ يَذْهَبُ فِي الْغَالِبِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَهَائِمَ يَذْهَبُ جِمَاعُهَا بِخِصَائِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَكَرِ الْعِنِّينِ، وَذَكَرِ الْخَصِيِّ، أَنَّ الْجِمَاعَ فِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ أَبْعَدُ مِنْهُ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ، وَالْيَأْسُ مِنْ الْإِنْزَالِ مُتَحَقِّقٌ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ دُونَ ذَكَرِ الْعِنِّينِ.
فَعَلَى قَوْلِنَا: لَا تَكْمُلُ الدِّيَةُ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ؛ إنْ قَطَعَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ، ثُمَّ قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ، لَزِمَتْهُ دِيَتَانِ، وَإِنْ قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ، ثُمَّ قَطَعَ الذَّكَرَ، لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْأُنْثَيَيْنِ، وَفِي الذَّكَرِ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرُ خَصِيٍّ. قَالَ الْقَاضِي: وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا. وَإِنْ قَطَعَ نِصْفَ الذَّكَرِ بِالطُّولِ، فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ. ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. وَالْأَوْلَى أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِمَنْفَعَةِ الْجِمَاعِ بِهِ، فَكَمَلَتْ دِيَتُهُ، كَمَا لَوْ أَشَلَّهُ أَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ جِمَاعُهُ.
وَإِنْ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْهُ مِمَّا دُونَ الْحَشَفَةِ، وَكَانَ الْبَوْلُ يَخْرُجُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ وَجَبَ بِقَدْرِ الْقِطْعَة مِنْ جَمِيعِ الذَّكَرِ مِنْ الدِّيَةِ. وَإِنْ خَرَجَ الْبَوْلُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَجَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ حِصَّةِ الْقِطْعَةِ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ الْحُكُومَةِ. وَإِنْ ثَقَبَ ذَكَرَهُ فِيمَا دُونَ الْحَشَفَةِ، فَصَارَ الْبَوْلُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّقْبِ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ؛ لِذَلِكَ.
[مَسْأَلَة دِيَة الْأُنْثَيَيْنِ]
(٦٩٤٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ) لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ» . وَلِأَنَّ فِيهِمَا الْجَمَالَ وَالْمَنْفَعَةَ، فَإِنَّ النَّسْلَ يَكُونُ بِهِمَا، فَكَانَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ، كَالْيَدَيْنِ. وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي الصُّلْبِ الدِّيَةَ، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةَ. وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ فِي الْيُسْرَى ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَفِي الْيُمْنَى ثُلُثَهَا؛ لِأَنَّ نَفْعَ الْيُسْرَى أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ النَّسْلَ يَكُونُ بِهَا. وَلَنَا، أَنَّ مَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي شَيْئَيْنِ مِنْهُ، وَجَبَ فِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، كَالْيَدَيْنِ، وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَلِأَنَّهُمَا ذَوَا عَدَدٍ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ، فَاسْتَوَتْ دِيَتُهُمَا، كَالْأَصَابِعِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يُنْتَقَضُ بِالْأَصَابِعِ وَالْأَجْفَانِ، تَسْتَوِي دِيَاتُهَا مَعَ اخْتِلَافِ نَفْعِهَا، ثُمَّ يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَهُ. وَإِنْ رَضَّ أُنْثَيَيْهِ، أَوْ أَشَلَّهُمَا، كَمَلَتْ دِيَتُهُمَا، كَمَا لَوْ أَشَلَّ يَدَيْهِ أَوْ ذَكَرَهُ. وَإِنْ قَطَعَ أُنْثَيَيْهِ، فَذَهَبَ نَسْلُهُ، لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْعُهُمَا، فَلَمْ تَزْدَدْ الدِّيَةُ بِذَهَابِهِ مَعَهُمَا، كَالْبَصَرِ مَعَ ذَهَابِ الْعَيْنَيْنِ، وَالْبَطْشِ مَعَ ذَهَابِ الرِّجْلَيْنِ. وَإِنْ قَطَعَ إحْدَاهُمَا، فَذَهَبَ النَّسْلُ، لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْف الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ ذَهَابَهُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute