بِسَبَقِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ. وَكَانَ عَلِيٌّ يَقْعُدُ عَلَى مُنْتَهَى الْغَايَةِ يَخُطُّ خَطًّا، وَيُقِيمُ رَجُلَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ عِنْدَ طَرَفِ الْخَطِّ طَرَفَيْهِ بَيْنَ إبْهَامَيْ أَرْجُلِهِمَا، وَتَمُرُّ الْخَيْلُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَيَقُولُ لَهُمَا: إذَا خَرَجَ أَحَدُ الْفَرَسَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِطَرَفِ أُذُنَيْهِ، أَوْ أُذُنٍ، أَوْ عَذَارٍ فَاجْعَلَا السَّبْقَةَ لَهُ، فَإِنْ شَكَكْتُمَا، فَاجْعَلُوا سَبَقَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَرَنْتُمْ ثِنْتَيْنِ، فَاجْعَلَا الْغَايَةَ مِنْ غَايَةِ أَصْغَرِ الثِّنْتَيْنِ، وَلَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ. وَهَذَا الْأَدَبُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فِي ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ وَانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي هَذَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَضِيَّةٍ أَمَرَهُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَوَّضَهَا إلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُتَّبَعَ، وَيُعْمَلَ بِهَا.
[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ فِي الرِّهَانِ عَلَى دَابَّتَانِ]
(٧٩١٥) فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ فِي الرِّهَانِ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ، كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْبَعِيرَ لَا يَكَادُ يَسْبِقُ الْفَرَسَ، فَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْمُسَابَقَةِ. وَإِنْ كَانَتَا مِنْ نَوْعَيْنِ، كَالْعَرَبِيِّ وَالْبِرْذَوْنِ، أَوْ الْبُخْتِيِّ وَالْعِرَابِيِّ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَصِحُّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَرْيِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ، فَأَشْبَهَا الْجِنْسَيْنِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَسْبِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ، وَالضَّابِطُ الْجِنْسُ وَقَدْ وُجِدَ، وَيَكْفِي فِي الْمَظِنَّةِ احْتِمَالُ الْحِكْمَةِ، وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ.
[فُصُولٌ فِي الْمُنَاضَلَةِ]
(٧٩١٦) فُصُولٌ فِي الْمُنَاضَلَةِ: وَهِيَ الْمُسَابَقَةُ فِي الرَّمْيِ بِالسِّهَامِ، وَالْمُنَاضَلَةُ، مَصْدَرُ نَاضَلْته نِضَالًا وَمُنَاضَلَةً، وَسُمِّيَ الرَّمْيُ نِضَالًا؛ لِأَنَّ السَّهْمَ التَّامَّ يُسَمَّى نَضْلًا، فَالرَّمْيُ بِهِ عَمَلٌ بِالنَّضْلِ، فَسُمِّيَ نِضَالًا وَمُنَاضَلَةً، مِثْلَ قَاتَلْتُهُ قِتَالًا وَمُقَاتَلَةً، وَجَادَلْته جِدَالًا وَمُجَادَلَةً. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَدَدُ، الرَّشْقِ مَعْلُومًا، وَالرِّشْقُ؛ بِكَسْرِ الرَّاءِ: عَدَدُ الرَّمْيِ. وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا بَيْنَ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ. وَالرَّشْقُ؛ بِفَتْحِ الرَّاءِ الرَّمْيُ نَفْسُهُ، مَصْدَرُ رَشَقْتُهُ رَشْقًا. أَيْ رَمَيْت رَمْيًا. وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْهُولًا لَأَفْضَى إلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُرِيدُ الْقَطْعَ، وَالْآخَرُ يُرِيدُ الزِّيَادَةَ، فَيَخْتَلِفَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute