قُلْنَا: مَا حُرِّمَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِنَفْسِهِ؛ وَإِنَّمَا حُرِّمَ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا. وَأَمَّا النَّهْيُ فَإِنَّمَا أَتَى بِهِ رَحْمَةً لَهُمْ، وَرِفْقًا بِهِمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ. كَمَا نَهَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ صِيَامِ النَّهَارِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ، رَحْمَةً لَهُمْ» .
وَهَذَا لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَلِهَذَا لَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّحْرِيمَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ وَاصَلُوا بَعْدَهُ، وَلَوْ فَهِمُوا مِنْهُ التَّحْرِيمَ لَمَا اسْتَجَازُوا فِعْلَهُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ، فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا، وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا وَيَوْمًا، ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ. فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» . كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ وَاصَلَ مِنْ سَحَرٍ إلَى سَحَرٍ جَازَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ أَفْضَلُ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ.
[فَصْلُ يُسْتَحَبُّ تَفْطِيرُ الصَّائِمِ]
(٢١٣٠) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ تَفْطِيرُ الصَّائِمِ؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (٢١٣١)
فَصْلٌ: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَفْطَرَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَك صُمْنَا، وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْنَا، فَتَقَبَّلْ مِنَّا، إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَفْطَرَ، يَقُول: ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ» . وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، ذَكَرَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ.
[مَسْأَلَةُ مَنْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَان وَأَتْبَعَهُ بِسِتِّ مِنْ شَوَّالٍ]
(٢١٣٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَمَنْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، وَإِنْ فَرَّقَهَا، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ صَوْمَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ يَصُومُهَا، وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ، وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ، وَأَنْ يُلْحَقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute