الثَّالِثُ، أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ مَاتَ عَلَى الرِّقِّ لَمْ يَنْجَرَّ الْوَلَاءُ بِحَالٍ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ
فَإِنْ اخْتَلَفَ سَيِّدُ الْعَبْدِ وَمَوْلَى الْأُمِّ فِي الْأَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ سَيِّدُهُ: مَاتَ حُرًّا بَعْدَ جَرِّ الْوَلَاءِ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَوْلَى الْأُمِّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَوْلَى الْأُمِّ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
[فَصْلٌ الْجَدّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِي التَّعْصِيبِ وَأَحْكَامِ النَّسَبِ وَفِي جَرِّ الْوَلَاءِ]
(٥٠١٧) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ الْأَبُ، وَلَكِنْ عَتَقَ الْجَدُّ فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَجُرُّ الْوَلَاءُ، لَيْسَ هُوَ كَالْأَبِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَجُرُّهُ. وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ، جَرَّهُ عَنْ مَوَالِي الْجَدِّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِي التَّعْصِيبِ وَأَحْكَامِ النَّسَبِ، فَكَذَلِكَ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ
وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا، لَمْ يَجُرَّ الْجَدُّ الْوَلَاءَ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، جَرَّهُ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ. وَلَنَا، أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَلَاءِ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا الْأَصْلُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ يَنْجَرُّ بِعِتْقِ الْأَبِ، وَالْجَدُّ لَا يُسَاوِيهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ الْأَبُ بَعْدَ الْجَدِّ، جَرَّهُ عَنْ مَوَالِي الْجَدِّ إلَيْهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْجَدُّ، لَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُ وَلَدِهِ، وَلِأَنَّ الْجَدَّ يُدْلِي بِغَيْرِهِ، وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُرَّ الْوَلَاءَ كَالْأَخِ، وَكَوْنُهُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ، لَا يَلْزَمُ أَنْ يَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَيْهِ، كَالْأَخِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَدِّ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ
لِأَنَّ الْبَعِيدَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ كَقِيَامِ الْقَرِيبِ، وَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ الْبَعِيدُ فَجَرَّ الْوَلَاءَ، ثُمَّ عَتَقَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ جَرَّ الْوَلَاءَ إلَيْهِ، ثُمَّ إنْ عَتَقَ الْأَبُ جَرَّ الْوَلَاءَ؛ لِأَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ يَحْجُبُ مَنْ فَوْقَهُ، وَيُسْقِطُ تَعْصِيبَهُ وَإِرْثَهُ وَوِلَايَتَهُ، وَلَوْ لَمْ يَعْتِقْ الْجَدُّ، لَكِنْ كَانَ حُرًّا وَوَلَدُهُ مَمْلُوكٌ، فَتَزَوَّجَ مَوْلَاةَ قَوْمٍ، فَأَوْلَدَهَا أَوْلَادًا، فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوْلَى أُمِّهِمْ. وَعِنْدَ مَنْ يَقُولُ يَجُرُّ الْجَدُّ الْوَلَاءَ. يَكُون لِمَوْلَى الْجَدِّ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْجَدُّ مَوْلًى، بَلْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِ أَبِيهِ، فَإِنْ أُعْتِقَ أَبُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَعُدْ عَلَى وَلَدِهِ وَلَاءٌ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَبَتَتْ لَهُ مِنْ غَيْرِ وَلَاءٍ، فَلَمْ يَتَجَدَّدْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، كَالْحُرِّ الْأَصْلِيِّ.
[فَصْلٌ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْحُرَّيْنِ حُرَّ الْأَصْلِ]
(٥٠١٨) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْحُرَّيْنِ حُرَّ الْأَصْلِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهِمَا، سَوَاءٌ كَانَ الْآخَرُ عَرَبِيًّا أَوْ مَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا فِي انْتِفَاءِ الرِّقِّ وَالْوَلَاءِ، فَلَأَنْ يَتْبَعَهَا فِي نَفْيِ الْوَلَاءِ، وَحْدَهُ أَوْلَى. وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهُ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، بِحَيْثُ يَصِيرُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمَوْلَى أَبِيهِ، فَلَأَنْ يَتْبَعَهُ فِي سُقُوطِ الْوَلَاءِ عَنْهُ أَوْلَى. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا وَالْأُمُّ مَوْلَاةً ثَبَتَ الْوَلَاءُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute