النُّصُوصِ، وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ صَحِيحٌ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَأَشْبَهَ الشَّمَّاسَ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُمْ مَحْقُونُونَ بِدُونِ الْجِزْيَةِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ، كَالنِّسَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ، وَالنُّصُوصُ مَخْصُوصَةٌ بِالنِّسَاءِ، وَهَؤُلَاءِ فِي مَعْنَاهُنَّ، وَلِأَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ، فَأَشْبَهَ الْفَقِيرَ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ.
[مَسْأَلَةٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فَأَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ]
(٧٦٦٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، فَأَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ، سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ عَنْهُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: إنْ أَسْلَمْ بَعْدَ الْحَوْلِ، لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ يَسْتَحِقُّهُ صَاحِبُهُ، وَاسْتَحَقَّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْإِسْلَامِ، كَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا، عَلَيْهِ مِنْ الْجِزْيَةِ بِالْقِسْطِ، كَمَا لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] . وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ جِزْيَةٌ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ. وَذُكِرَ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ يَرْوِيه غَيْرُ جَرِيرٍ.
قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَخَذَهَا فِي كَفِّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ، رَدَّهَا عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ» . يَعْنِي الْجِزْيَةَ. وَرُوِيَ أَنَّ ذِمِّيًّا أَسْلَمَ، فَطُولِبَ بِالْجِزْيَةِ، وَقِيلَ: إنَّمَا أَسْلَمْت تَعَوُّذًا. قَالَ: إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا. فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا. وَكَتَبَ أَلَّا تُؤْخَذَ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى.
وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ صَغَارٌ، فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ عُقُوبَةٌ تَجِبُ بِسَبَبِ الْكُفْرِ، فَيُسْقِطُهَا الْإِسْلَامُ، كَالْقَتْلِ. وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الدُّيُونِ.
[فَصْلٌ تُؤْخَذ الْجِزْيَة مِنْ ذِمِّيّ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ]
(٧٦٦٦) فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ الْحَوْلِ، لَمْ تَسْقُطْ الْجِزْيَةُ عَنْهُ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ. وَهُوَ مَذْهَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute