للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَتَى لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ، وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُمْكِنٌ، وَالِاسْتِمْتَاعَ حَاصِلٌ بِوَطْئِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ وَطْأَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَطْءِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ فَيَفْتُرُ بِالْإِنْزَالِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قُطِعَتْ خُصْيَتَاهُ وَالْمَوْجُورِ، وَهُوَ الَّذِي رُضَّتْ خُصْيَتَاهُ، وَالْمَسْلُولِ الَّذِي سُلَّتْ خُصْيَتَاهُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يُنْزِلُ، وَلَا يُولَدُ لَهُ.

[مَسْأَلَة قَالَ قَدْ عَلِمَتْ أَنِّي عِنِّينٌ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَهَا]

(٥٥٣٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِنْ قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ أَنِّي عِنِّينٌ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَهَا. فَإِنْ أَقَرَّتْ، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، فَلَا يُؤَجَّلُ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا عَلِمَتْ عُنَّةَ الرَّجُلِ وَقْتَ الْعَقْدِ، مِثْلُ أَنْ يُعْلِمَهَا بِعُنَّتِهِ، أَوْ تُضْرَبَ لَهُ الْمُدَّةُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ، فَيَنْفَسِخَ النِّكَاحُ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، لَمْ تُضْرَبْ لَهُ الْمُدَّةُ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ. فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ عَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: يُؤَجَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنِّينًا فِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ

وَلَنَا أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْعَيْبِ، وَدَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ عَالِمَةً بِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ، كَمَا لَوْ عَلِمَتْهُ مَجْبُوبًا، وَلِأَنَّهَا لَوْ رَضِيَتْ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ الْمُدَّةِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ، فَكَذَلِكَ إذَا رَضِيَتْ بِهِ فِي الْعَقْدِ، كَسَائِرِ الْعُيُوبِ، وَلَوْ أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، ثُمَّ ارْتَجَعَهَا، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ، كَذَا هَاهُنَا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا تَكُونُ فِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ. احْتِمَالٌ بَعِيدٌ؛ فَإِنَّ الْعُنَّةَ جِبِلَّةٌ وَخِلْقَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ ظَاهِرًا، وَلِذَلِكَ ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ الْمُدَّةِ. فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهَا الْعِلْمَ بِعُنَّتِهِ، فَأَنْكَرَتْهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ، ثَبَتَ نِكَاحُهَا، وَبَطَلَ خِيَارُهَا.

[مَسْأَلَة عَلِمَتْ أَنَّهُ عِنِّينٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فَسَكَتَتْ عَنْ الْمُطَالَبَةِ]

(٥٥٣٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ عِنِّينٌ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَسَكَتَتْ عَنْ الْمُطَالَبَةِ، ثُمَّ طَالَبَتْ بَعْدُ، فَلَهَا ذَلِكَ، وَيُؤَجَّلُ سَنَةً مِنْ يَوْمِ تَرَافُعِهِ لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا اخْتِلَافًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ سُكُوتَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الرِّضَى؛ لِأَنَّهُ زَمَنٌ لَا تَمْلِكُ فِيهِ الْفَسْخَ، وَلَا الِامْتِنَاعَ مِنْ اسْتِمْتَاعِهِ، فَلَمْ يَكُنْ سُكُوتُهَا مُسْقِطًا لِحَقِّهَا، كَسُكُوتِهَا بَعْدَ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَقَبْلَ انْقِضَائِهَا. وَلَوْ سَكَتَتْ بَعْدَ الْمُدَّةِ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ، وَثُبُوتِ عَجْزِهِ، فَلَا يَضُرُّ السُّكُوتُ قَبْلَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>