للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَضَاءُ دِينِ وَالِدِهِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.

وَيَحْتَاجُ أَنْ يَذْكُرَ تَرِكَةَ أَبِيهِ، وَيُحَرِّرَهَا، وَيَذْكُرَ قَدْرَهَا، كَمَا يَصْنَعُ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ تَحْرِيرُ دَيْنِهِ، وَمَوْتُ أَبِيهِ، وَأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِدَيْنِهِ. وَإِنْ قَالَ: مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِبَعْضِ دَيْنِهِ. احْتَاجَ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ الْقَدْرَ.

وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فِي نَفْيِ تَرِكَةِ الْأَبِ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ أَنْكَرَ مَوْتَ أَبِيهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، وَقَدْ يَمُوتُ وَلَا يَعْلَمُ بِهِ ابْنُهُ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ مَا فِيهِ وَفَاءُ حَقِّهِ، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخَلِّفُ تَرِكَةً فَلَا تَصِلُ إلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيفَاءُ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْمُدَّعِي تَحْرِيرَ الدَّعْوَى، فَهَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُلَقِّنَهُ تَحْرِيرَهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى صَاحِبِهِ فِي ذَلِكَ. وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فِي حُكُومَتِهِ.

[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ الْحَاكِم إذَا حَرَّرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ]

(٨٢٧٧) فَصْلٌ: إذَا حَرَّرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ خَصْمَهُ الْجَوَابَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ، لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ إحْضَارَهُ الدَّعْوَى إنَّمَا يُرَادُ لِيَسْأَلَ الْحَاكِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَقَدْ أَغْنَى ذَلِكَ عَنْ سُؤَالِهِ، فَيَقُولُ لِخَصْمِهِ: مَا تَقُولُ فِيمَا يَدَّعِيهِ؟ فَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ إلَّا بِمَسْأَلَةِ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ حَقٌّ لَهُ، فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا بِمَسْأَلَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ، هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْحَالَ تَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ ذَلِكَ، فَاكْتُفِيَ بِهَا، كَمَا اُكْتُفِيَ بِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابَ، وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَعْرِفُ مُطَالَبَةَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ، فَيَتْرُكُ مُطَالَبَتَهُ بِهِ لِجَهْلِهِ، فَيَضِيعُ حَقُّهُ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ قَبْلَ مَسْأَلَتِهِ.

وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، إنْ سَأَلَهُ الْخَصْمُ فَقَالَ: اُحْكُمْ لِي. حَكَمَ عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَلْزَمْتُك ذَلِكَ، أَوْ قَضَيْت عَلَيْك لَهُ. أَوْ يَقُولَ: اُخْرُجْ لَهُ مِنْهُ. فَمَتَى قَالَ لَهُ أَحَدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، كَانَ حُكْمًا بِالْحَقِّ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَقَالَ: لَا حَقَّ لَك قِبَلِي. فَهَذَا مَوْضِعُ الْبَيِّنَةِ، قَالَ الْحَاكِمُ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ حَضْرَمِيٌّ وَكِنْدِيٌّ، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي. فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>