وَإِنْ كَانَ فِي إثْبَاتِ عَيْنٍ، كَتَبَ: وَإِنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدَيْ فُلَانٍ مِنْ الشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ - وَيَصِفُهُ صِفَةً يَتَمَيَّزُ بِهَا - مُسْتَحِقٌّ لِأَخْذِهِ وَتَسْلِيمِهِ، عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كِتَابُ الْمَحْضَرِ الْمُتَّصِلُ بِآخِرِ كِتَابِي هَذَا، الْمُؤَرَّخُ بِتَارِيخِ كَذَا، وَقَالَ الشَّاهِدَانِ الْمَذْكُورَانِ: إنَّهُمَا بِمَا شَهِدَا بِهِ مِنْهُ عَالِمَانِ، وَلَهُ مُحَقِّقَانِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ خِلَافَ مَا شَهِدَا بِهِ إلَى حِينَ أَقَامَا الشَّهَادَةَ عِنْدِي، فَأَمْضَيْت مَا ثَبَتَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ، وَحَكَمْت بِمُوجِبِهِ بِسُؤَالِ مَنْ جَازَتْ مَسْأَلَتُهُ، وَسَأَلَنِي مَنْ جَازَ سُؤَالُهُ، وَسَوَّغَتْ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ إجَابَتَهُ الْمُكَاتَبَةَ بِذَلِكَ إلَى الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ، فَأَجَبْتُهُ إلَى مُلْتَمَسِهِ؛ لِجَوَازِهِ لَهُ شَرْعًا، وَتَقَدَّمْت بِهَذَا الْكِتَابِ فَكُتِبَ، وَبِإِلْصَاقِ الْمَحْضَرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَأُلْصِقَ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَتَأَمَّلَ مَا ذَكَرْته، وَتَصَفَّحَ مَا سَطَّرْته، وَاعْتَمَدَ فِي إنْفَاذِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجَبِ مَا يُوجِبُهُ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ، أَحْرَزَ مِنْ الْأَجْرِ أَجْزَلَهُ. وَكَتَبَ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْمَحْرُوسِ، مِنْ مَكَانِ كَذَا، فِي وَقْتِ كَذَا.
وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْقَاضِي اسْمَهُ فِي الْعِنْوَانِ، وَلَا ذِكْرُ اسْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي بَاطِنِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ، فَلَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَيْسَ إلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي ذِكْرُ اسْمِهِ فِي الْعِنْوَانِ دُونَ بَاطِنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَلَى وَجْهِ الْمُخَاطَبَةِ. وَلَنَا، أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِيهِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِالْحُكْمِ، وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِيهَا، وَلَوْ ضَاعَ الْكِتَابُ أَوْ امْتَحَا، سُمِعَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَحُكِمَ بِهَا.
[مَسْأَلَةٌ مَا يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ كِتَابِ الْقَاضِي]
(٨٢٨٣) مَسْأَلَةٌ، قَالَ: وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَقُولَانِ: قَرَأَهُ عَلَيْنَا، أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ بِحَضْرَتِنَا، فَقَالَ: اشْهَدَا عَلَى أَنَّهُ كِتَابِي إلَى فُلَانٍ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ كِتَابِ الْقَاضِي شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ، وَلَا يَكْفِي مَعْرِفَةُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ خَطَّ الْكَاتِبِ، وَخَتْمَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ بِذَلِكَ، فِي قَوْلِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى.
وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَسَوَّارٍ، وَالْعَنْبَرِيِّ، أَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا كَانَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَخَتْمَهُ، قَبِلَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَالْإِصْطَخْرِيِّ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوَصِيَّةِ إذَا وُجِدَتْ بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَحْصُلُ بِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، فَأَشْبَهَ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ مَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِالشَّهَادَةِ، لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ، كَإِثْبَاتِ الْعُقُودِ؛ وَلِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمَ يُمْكِنُ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ الرُّجُوعُ إلَى الشَّهَادَةِ، فَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَى الْخَطِّ، كَالشَّاهِدِ لَا يُعَوَّلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ عَمَّا ذَكَرُوهُ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَتَبَ الْكِتَابَ، دَعَا رَجُلَيْنِ يَخْرُجَانِ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، فَيَقْرَأُ عَلَيْهِمَا الْكِتَابَ، أَوْ يَقْرَؤُهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِمَا، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَا مَعَهُ فِيمَا يَقْرَآهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْظُرَا، جَازَ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute