الشُّهُودِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِالضَّمِينِ طَعْنٌ عَلَيْهِمْ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: سَوَاءٌ كَانَ الشَّاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، أَوْ لَمْ يَكُونَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا فِي نَفْيِ وَارِثٍ آخَرَ، حَتَّى يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، وَالْمَعْرِفَةِ الْمُتَقَادِمَةِ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ لَيْسَ جَهْلُهُ بِالْوَارِثِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِهِ، وَلَا يَكْتَفِي بِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الدَّارُ مَوْقُوفَةً، وَلَا يُسَلَّمُ إلَى الْحَاضِرِ نِصْفُهَا، حَتَّى يَسْأَلَ الْحَاكِمُ وَيَكْشِفَ عَنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَ ' يَطُوفُهَا، وَيَأْمُرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: إنَّ فُلَانًا مَاتَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ، فَلِيَأْتِ. فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَارِثٌ لَظَهَرَ، دَفَعَ إلَى الْحَاضِرِ نَصِيبَهُ. وَهَلْ يَطْلُبُ مِنْهُ ضَمِينًا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ إذَا كَانَ الشَّاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَقُولَا: وَلَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ. فَإِنْ كَانَ مَعَ الِابْنِ ذُو فَرْضٍ فَعَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُعْطِي فَرْضَهُ كَامِلًا.
وَعَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ، يُعْطَى الْيَقِينُ. فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ، أُعْطِيت رُبْعَ الثُّمُنِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ جَدَّةٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَوْتُ أُمِّهِ، لَمْ تُعْطَ شَيْئًا، وَإِنْ ثَبَتَ مَوْتُهَا، أُعْطِيت ثُلُثَ السُّدُسِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَلَاثُ جَدَّاتٍ، وَلَا تُعْطَى الْعَصَبَةُ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ أَخًا لَمْ يُعْطَ شَيْئًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ يَحْجُبُهُ. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أُمٌّ، أُعْطِيت السُّدُسَ عَائِلًا، وَالْمَرْأَةُ رُبْعَ الثُّمُنِ عَائِلًا، وَالزَّوْجُ الرُّبْعَ عَائِلًا؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ تَعُولُ مَعَ وُجُودِ الزَّوْجِ، مِثْلُ أَنْ يُخَلِّفَ أَبَوَيْنِ وَابْنَيْنِ وَزَوْجًا فَإِذَا كَشَفَ الْحَاكِمُ أَعْطَى الزَّوْجَ نَصِيبَهُ، وَكَمَّلَ لِذَوِي الْفُرُوضِ فُرُوضَهُمْ.
[فَصْل اُخْتُلِفَ فِي دَارٍ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ كَانَتْ أَمْسِ مِلْكَهُ أَوْ مُنْذُ شَهْرٍ]
(٨٥٣٦) فَصْلٌ: وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي دَارٍ، فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً، أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ كَانَتْ أَمْسِ مِلْكَهُ، أَوْ مُنْذُ شَهْرٍ فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ، وَيُقْضَى بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا تُسْمَعُ، وَيُحْكَمُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْمَاضِي، وَإِذَا ثَبَتَ اُسْتُدِيمَ حَتَّى يُعْلَمَ زَوَالُهُ. وَالثَّانِي لَا تُسْمَعُ قَالَ الْقَاضِي: هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ مَا لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي الْمِلْكَ فِي الْحَالِ، فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا لَمْ يَدَّعِهِ، لَكِنْ إنَّ انْضَمَّ إلَى شَهَادَتِهِمَا بَيَانُ سَبَبِ يَدِ الثَّانِي، وَتَعْرِيفُ تَعَدِّيهَا فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ أَمْسِ، فَقَبَضَهَا هَذَا مِنْهُ، أَوَسَرَقَهَا، أَوْ ضَلَّتْ مِنْهُ فَالْتَقَطَهَا هَذَا. وَنَحْوَ ذَلِكَ، سُمِعَتْ، وَقُضِيَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُبَيِّنْ السَّبَبَ فَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَبَيْنَ دَلَالَةِ الْيَدِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مِلْكَهُ أَمْسِ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى صَاحِبِ الْيَدِ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ سَبَبَ الْيَدِ عُدْوَانٌ، خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا دَلِيلًا فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِاسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ السَّابِقِ. وَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِلْمُدَّعِي أَمْسِ، أَوْ فِيمَا مَضَى، سُمِعَ إقْرَارُهُ، وَحُكِمَ بِهِ، فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ سَبَبِ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ، فَيَصِيرُ هُوَ الْمُدَّعِيَ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ. يُفَارِقَ الْبَيِّنَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute