[فَصْلُ فَسَادُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ]
(٢٠٥٤) فَصْلٌ: وَيَفْسُدُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، كَالْأَكْلِ وَهَلْ يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، يَلْزَمُهَا. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَلِأَنَّهَا هَتَكَتْ صَوْمَ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ كَالرَّجُلِ.
وَالثَّانِيَةُ، لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو دَاوُد: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ مَنْ أَتَى أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ، أَعْلَيْهَا كَفَّارَةٌ؟ قَالَ: مَا سَمِعْنَا أَنَّ عَلَى امْرَأَةٍ كَفَّارَةً. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْوَاطِئَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً. وَلَمْ يَأْمُرْ فِي الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ، مَعَ عِلْمِهِ بِوُجُودِ ذَلِكَ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ مِنْ بَيْنِ جِنْسِهِ، فَكَانَ عَلَى الرَّجُلِ كَالْمَهْرِ.
[فَصْلُ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ الصائمة عَلَى الْجِمَاعِ]
(٢٠٥٥) فَصْلٌ: وَإِنْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الْجِمَاعِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ. قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ امْرَأَةٍ غَصَبَهَا رَجُلٌ نَفْسَهَا، فَجَامَعَهَا، أَعْلَيْهَا الْقَضَاءُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: وَعَلَيْهَا كَفَّارَةٌ؟ قَالَ: لَا. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ. وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ، إذَا وَطِئَهَا نَائِمَةً.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّائِمَةِ: عَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ، وَالْمُكْرَهَةُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: إنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِوَعِيدٍ حَتَّى فَعَلَتْ، كَقَوْلِنَا وَإِنْ كَانَ إلْجَاءً لَمْ تُفْطِرْ. وَكَذَلِكَ إنْ وَطِئَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ. وَيُخَرَّجُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ - كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ، لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ. أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ مُلْجَأَةً أَوْ نَائِمَةً؛ لِأَنَّهَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا فِعْلٌ، فَلَمْ تُفْطِرْ، كَمَا لَوْ صَبَّ فِي حَلْقِهَا مَاءً بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ جِمَاعٌ فِي الْفَرْجِ، فَأَفْسَدَ الصَّوْمَ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَتْ بِالْوَعِيدِ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْوَطْءُ، فَفَسَدَتْ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ. وَيُفَارِقُ الْأَكْلَ، فَإِنَّهُ يُعْذَرُ فِيهِ بِالنِّسْيَانِ، بِخِلَافِ الْجِمَاعِ.
[فَصْلُ تَسَاحَقَتْ امْرَأَتَانِ أَثْنَاءَ الصَّوْم فَلَمْ يُنْزِلَا]
فَصْلٌ: فَإِنْ تَسَاحَقَتْ امْرَأَتَانِ، فَلَمْ يُنْزِلَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ أَنْزَلَتَا، فَسَدَ صَوْمُهُمَا. وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الْمُجَامِعِ دُونَ الْفَرْجِ إذَا أَنْزَلَ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُمَا كَفَّارَةٌ بِحَالٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute