(٦٠٠٠) فَصْلٌ: وَإِنْ قَدِمَ مُخْتَارًا، حَنِثَ الْحَالِفُ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْقَادِمُ بِالْيَمِينِ أَوْ جَهِلَهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ الْقَادِمُ مِمَّنْ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْقُدُومِ بِيَمِينِهِ، كَالسُّلْطَانِ، وَالْحَاجِّ، وَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ، حَنِثَ الْحَالِفُ، وَلَا يُعْتَبَرُ عِلْمُهُ وَلَا جَهْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ بِالْيَمِينِ مِنْ الْقُدُومِ، كَقَرَابَةٍ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا، أَوْ غُلَامٍ لِأَحَدِهِمَا، فَجَهِلَ الْيَمِينَ، أَوْ نَسِيَهَا، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ تَمْنَعُهُ الْيَمِينُ، كَانَ تَعْلِيقًا لِلطَّلَاقِ عَلَى صِفَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ، كَانَ يَمِينًا، فَيُعْذَرُ فِيهَا بِالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نِيَّةُ الْحَالِفِ، وَقَرَائِنُ أَحْوَالِهِ، الدَّالَّةُ عَلَى قَصْدِهِ، فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ بِيَمِينِهِ مَنْعَ الْقَادِمِ مِنْ الْقُدُومِ، كَانَ يَمِينًا، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ جَعْلَهُ صِفَةً فِي مُطْلَقَةٍ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، وَيَسْتَوِي فِيهِ عِلْمُ الْقَادِمِ وَجَهْلُهُ، وَنِسْيَانُهُ، وَجُنُونُهُ وَإِفَاقَتُهُ، مِثْل أَنْ يَقْصِدَ طَلَاقَهَا إذَا حَصَلَ مَعَهَا مَحْرَمُهَا، وَلَا يُطَلِّقُهَا وَحْدَهَا، وَتُعْتَبَرُ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ؛ فَمَتَى عَلَّقَ الْيَمِينَ عَلَى قُدُومِ غَائِبٍ بَعِيدٍ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْيَمِينَ وَلَا يَمْتَنِعُ بِهَا، أَوْ عَلَى فِعْلِ صَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ، أَوْ مَنْ لَا يَمْتَنِعُ بِهَا، لَمْ تَكُنْ يَمِينًا.
وَإِنْ عَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى فِعْلِ حَاضِرٍ يَعْلَمُ بِيَمِينِهِ، وَيَمْتَنِعُ لِأَجَلِهَا مِنْ فِعْلِ مَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَيْهِ، كَانَ يَمِينًا. وَمَتَى أَشْكَلَتْ الْحَالُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ عَنْ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ، فَمَتَى شَكَكْنَا فِي الدَّلِيلِ الْمُخَصِّصِ، وَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْعُمُومِ.
[فَصْلٌ قَالَ إنْ تَرَكْت هَذَا الصَّبِيَّ يَخْرُجُ فَأَنْتِ طَالِقٌ]
(٦٠٠١) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: إنْ تَرَكْت هَذَا الصَّبِيَّ يَخْرُجُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَانْفَلَتَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، فَخَرَجَ، فَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ لَا يَخْرُجَ فَقَدْ حَنِثَ، وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا تَدَعَهُ، لَمْ يَحْنَثْ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَعْنَى هَذَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِهَا، فَقَدْ فَعَلَ الْخُرُوجَ عَلَى غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهَا، فَكَانَتْ كَالْمُكْرَهِ إذْ لَمْ يُمْكِنْهَا حِفْظُهُ وَمَنْعُهُ. وَإِنْ نَوَى فِعْلَهُ، فَقَدْ وُجِدَ، وَحَنِثَ. وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ، انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَنَاوَلَهُ لَفْظُهُ، فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا خَرَجَ بِتَفْرِيطِهَا فِي حِفْظِهِ أَوْ اخْتِيَارِهَا.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا تَأْخُذُ حَقَّك مِنِّي فَأُكْرِهْ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ]
(٦٠٠٢) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَا تَأْخُذُ حَقَّك مِنِّي، فَأُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ، وَأَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا، حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَخْذِ، وَقَدْ أَخَذَهُ مُخْتَارًا. وَإِنْ أُكْرِهَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِهِ، خُرِّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، فِي مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْقُدُومِ. وَإِنْ وَضَعَهُ الْحَالِفُ فِي حِجْرِهِ، أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ إلَى جَنْبِهِ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مَا وُجِدَ. وَإِنْ أَخَذَهُ الْحَاكِمُ أَوْ السُّلْطَانُ مِنْ الْغَرِيمِ، فَدَفَعَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَأَخَذَهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْنَثُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute