[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مُرَتَّبًا]
(٥٨٩) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مُرَتَّبًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ يَخْتَلُّ بِعَدَمِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُرَتَّبًا، لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ أَذَانٌ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ مُرَتَّبًا، وَعَلَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا مَحْذُورَةَ مُرَتَّبًا.
[مَسْأَلَة يُدِيرَ الْمُؤَذِّن وَجْهِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ عِنْد الْحَيْعَلَتَيْنِ]
(٥٩٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَيُدِيرُ وَجْهَهُ عَلَى يَمِينِهِ إذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَى يَسَارِهِ إذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. وَلَا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ) الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ فَإِنَّ مُؤَذِّنِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يُؤَذِّنُونَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُدِيرَ وَجْهَهُ عَلَى يَمِينِهِ، إذَا قَالَ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " وَعَلَى يَسَارِهِ، إذَا قَالَ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ". وَلَا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي الْتِفَاتِهِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ، وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَا هُنَا وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، فَخَرَجَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ، فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يَسْتَدِرْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا يَسْتَدِيرُ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ فَوْقَ الْمَنَارَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا، عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ أَذَّنَ فِي الْمَنَارَةِ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، لَا يَدُورُ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ، فَكُرِهَ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَالثَّانِيَةُ، يَدُورُ فِي مَجَالِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِعْلَامُ بِدُونِهِ، وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ بِالْإِخْلَالِ بِأَدَبٍ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَلَوْ أَخَلَّ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَشَى فِي أَذَانِهِ، لَمْ يَبْطُلْ، فَإِنَّ الْخُطْبَةَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ، وَلَا تَبْطُلُ بِهَذَا.
وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وَهُوَ يَمْشِي؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَمْرُ الْأَذَانِ عِنْدِي سَهْلٌ. وَسُئِلَ عَنْ الْمُؤَذِّنِ يَمْشِي وَهُوَ يُقِيمُ قَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ يَفْرُغَ ثُمَّ يَمْشِي. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: وَفِي الْمُسَافِرِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَ.
[مَسْأَلَة يُسْتَحَبّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولُ كَمَا يَقُولُ]
(٥٩١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ) لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَإِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَابْنُهُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ.
وَقَالَ غَيْرُ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ، قَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، فَإِذَا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.»
" وَرَوَى حَفْصُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ،